كيف خلقنا أسوأ من الإنسان الأول




محمد عواد - كلما نظرنا إلى النظام الاجتماعي في عصر الإنسان الأول يصيبنا نوع من الانزعاج بسبب الفوضى والضياع التي أبتلي بها ذلك الإنسان المسكين ، وكنا نتعلم في الكتب عن ذلك الإنسان الذي وصفناه من دون شعور ونحن أطفال بالمتخلف لأنه يقتل ولا يعرف الحوار ولا يعي ما يدور حوله.

ذلك الإنسان الاول دفنه الإنسان المتحضر المتقدم منذ زمن ، وكنا نحن العرب والمسلمين رائدين في عملية دفن ذلك الإنسان بعد تطويره بل إن لمساتنا مستمرة حتى الآن على مفهوم ذلك الإنسان الجديد ، فهو شخص يقرأ ويتعلم ويفضل الحوار ويرفض العنف إلا عند الضرورة المطلقة ويحب الخير للأخر ولا يتكلم إلا بما يعرف ولا يتهم أحداً جزافاً ولا يصيبه رهاب الشك في كل لحظة من حياته ويعي كل ما يقال له قبل الحكم عليه.

لكن للأسف ، نحن كما ساهمنا بخلق ذلك الإنسان المتحضر المتطور أعدنا وبابتكار كبير خلق الإنسان الأول بل ربما أسوأ ، فبشكل يمكن وصفه بالمنظم أو على أقل تقدير "الساذج" نجحت حكوماتنا المتتالية بخلق جيل جاهل لا يقرأ إلا في المناهج الدراسية التي لا يستفيد منها في حياته العملية أبداً ، وفاجأتنا بعض الحكومات بأنها مستعدة لتسليط الشعب على ذاته يقتل بعضه بعضاً ولا أقصد هنا ما جرى مؤخراً من هجوم بلطجية الحزب الحاكم في مصر على شباب الحرية ؛ وإنما هذه حالة قديمة من رجال أمن وجيش ومعاونين لهم قتلوا وسلبوا واغتصبوا لفرض الرأي.

خلق ذلك الإنسان الأول أخذ منا جهداً كبيراً لتحويله لحسود يكره الخير للأخرين ، وتحويله إلى إنسان سلبي يشكل بكل شيء ويكسر صورة كل إنسان جميل ، فلم يعد لدينا شخص إلا ونطعن به ولا أعفي نفسي من هذا السلوك ، وأصبحنا نرى كل ناجح على أنه محظوظ أو عميل للدول الأجنبية ... ونرى بكل من يقول رأياً غير رأينا على أنه شخص أحمق جاهل وربما اتهمناه باستهدافنا كما شاهدنا في الفترة الأخيرة من اتهامات من كل العرب للجزيرة بأنها تستهدفهم وتريد تدميرهم وكأننا نعيش بجنان العالم العربي وليس جحيمه بسبب الإدارات الفاشلة المتعاقبة.


ومن أخطر صور ذلك الإنسان الأسوأ من الإنسان الأول نقطة وعيه ما يدور حوله ، فأنا أعيش صدمة حقيقية عندما أرى شخصاً متعلماً مثقفاً يؤمن بقصص خرافية يتداولها البعض لا يقبلها العقل ... أو عندما يبدأ بكيل الاتهامات بقضايا معينة لا تحتاج سوى لتحليل بسيط كي تعرف أنها كاذبة ... نقطة غياب الوعي بما يدور حولنا وغياب التحليل البسيط عن عقولنا هي أخطر صفات إنساننا المسخ الذي خلقناه.

التخلص من ظاهرة الإنسان الأول المهيمنة علينا هذه يحتاج عملاً كبيراً منا ، وأولى خطواته أن ننتبه لأفكارنا ونراجعها فلا نصدر الأحكام على الأخر بسرعة من دون تفكير ... ويتطلب منا قراءة في مختلف أنواع الكتب ومشاهدة لمختلف البرامج التلفزيونية المفيدة ... ويتطلب منا هذا النشاط قبول الانتقاد وعدم رؤية حل العنف كحل سريع جميل تطبقه بعض الحكومات المتخلفة ، وعلينا أن نطرح حججنا كما هي من دون كذب ولا تأليف وعلينا أن نتجنب انتقاد المميزين والناجحين وأن نحب التماثيل الكاملة ونتجنب محبة التماثيل المكسورة...ولنذكر قاعدة جميلة " إن لم تحبه فلك الحق لكن لا تشغل بالك فيه بالهجوم عليه."

ظاهرة تسبب لنا القلق حول مستقبلنا ، فمن دون الإنسان المثقف الواعي لا يمكن التخطيط ولا يمكن الإنتاج ... ومن دون الحد الأقل من المصداقية لا يمكن لنا التعاون ولا يمكن لنا الاعتماد على بعضنا البعض ، ولا يمكن لنا أن نبني ما دام هناك متخصصون بالهدم فقط ولا يمكن لنا خلق قادة ما دام كل جيد يشكك به وبنواياه وبأجنداته ، ولا يمكن لنا من سلطة رابعة " سلطة الإعلام" ما دمنا نريدها مفصلة على قياسنا وحسب رغباتنا.

تابع الكاتب على الفيسبوك:

تابع الكاتب على تويتر:

تابعنا على الفيسبوك:


  

تابعنا على تويتر: