تأملات في مقاطعة المواقع الإخبارية




رامي علي الطراونة - قبل اسبوعين من الآن , قررت وثلاثة من الأصدقاء تجربة جرعة مخففة من مقاطعة العالم الافتراضي –الإنترنت- وذلك لقياس مدى تأثير محتوياته على الحالة النفسية العامة لكل منا , ووقع الاختيار على مقاطعة المواقع الاخبارية العالمية والعربية والمحلية–في بلدي الأردن- أيضا , وقررنا الاكتفاء بملخصين اخباريين يوميا على إحدى الإذاعات الخاصة لا يتجاوز أحدهما الخمس دقائق على فترتين صباحية ومسائية.

جملة من التأملات تشكلت بعد تلك التجربة نذكرها هنا للفائدة .

1- الشعور بالعزلة هو الإحساس الأبرز الذي قد يمنع أحدنا من اتخاذ قرار مشابه.
فالاكتفاء بعشر دقائق من عناوين الأخبار , وتجاهل توابع الخبر ومستجداته اللحظية, سبب ذاك الشعورا بالانعزال عن عالم يغلي بالأحداث .

بدأ هذا الشعور بالاضمحلال تدريجيا , إذ تبين فعلا ان من تابع تفاصيل الأحداث من الأصدقاء –غير المشاركين في التجربة- اكتفى في الأيام التالية بذكر الحدث دون إيراد تفاصيله , حتى أن التفاصيل تلاشت من ذاكرة البعض وكأنها لم ترد أصلا في سياق الخبر !

ذلك شكّل نوعا من الإجماع لدينا -نحن المشاركين- بأن التواصل مع العالم وأحداثه ليس بحاجة لكل تلك التفاصيل "المثيرة" والتحديثات المتواتره.

2- البلادة أو "التمسحة" كما يحلوا لنا أهل بلاد الشام تسميتها: هي أن تعيش نوعا من التكيف الحسي أو الاعتياد على الشيء لدرجة تصبح فيها المشاعر بليده تجاه الشيء ذاته , وهذا ما يحدث فعلا مع تكرار مشاهد القتل والدمار والدماء. حتى أصبحت الأخبار وبشكل روتيني مجرد مواعيد لجرد أرقام الوفيات هنا وهناك .

في تجربتنا هذه بدأنا نشعر –وبالإجماع- أن انفعلاتنا قد بدأت تدريجيا بالعودة لما يجب لها أن تكون, وأصبح المشهد المؤلم ... مؤلما حقاً , لا مجرد تعابير تظهر على الوجه وتختفي لحظياً.

خصوصا أن استماعنا للموجزين كان كافيا للتفاعل مع الأحداث حسيّا ونفسيا وجسديا., بعيدا عن اللامبالة .

3- اعترف صديقين من المشاركين بأن جزءا كبيرا من آراءهم كانت مبنية على ما يقرآه من أخبار في مواقع معينة , بل ان أحكامهم كانت مسبقة على بعض الشخصيات أو الجهات للسبب ذاته.

فوصف أحدهما الحالة بـ"استسلام العقل لقناعات الغير".ووصف تجربته للمقاطعة بـ "التحرر نوعا ما " , فالاستماع للأخبار الرئيسية في الفترات المتفق عليها دون العوده لتحليلات المحللين جعل مسألة بناء رأي وتصور خاص عن الأحداث أو الأشخاص أكثر حيادية من ذي قبل!!.

4- كحال أي شيء وكحال أي تجارة , إن زادت كمية ما هو معروض قلّت قيمته وتأثيره .

ومع تعاظم كمية الأخبار وتسارعها أصبح هنالك خلل في ترتيب أولوياتنا و تعاطينا مع تلك الأخبار , فتراجع "الخبر المهم" لمرتبه أقل من أخبار أخرى أقل أهمية.

وبأغلبية (ثلاثة لواحد) اتفقنا نحن المشاركين على أن التجربة أعادت للخبر المهم والمؤثر أهميته , وبات فرز الأخبار وتصنيفها من ناحية الأولوية أكثر سهولة ويسرا من ذي قبل .

خلاصة الإشارة : لكل منّا وقفته مع نفسه , وأردنا في وقفتنا هذه التأمل قليلا في ثمن الوقت ومقدار الجهد الذي نبذله يوميا في متابعة الأخبار .

ولكم أنتم الحكم ... وفي الزمن دوماً متّسع للتجربة.


للمزيد من حلقات تأملات .. اضغط هنا 

هذه إحدى مساهمات الزوار، ساهم معنا .. اضغط هنا

تابعنا على الفيسبوك:


  

تابعنا على تويتر: