رسالتك في الحياة




زهراء منصور - في كل مراحل التاريخ، الحياة السياسية تلحقها الحياة الأدبية لتصفها وتحللها ورافق كل حدث سياسي رد فعل في الأدب ، لذلك اقتحم الأدب السياسة وارتبط بها ارتباطا وثيقا .


 لأن للكلمة حضارة وتعتبر من مقومات بناء الدولة، ويوفر الأدب مساحة واسعة للتعبير عن الأفكار والوقائع وما يحتمله الموقف السياسي من تأييد أو معارضة لذلك في حياة كل دولة وسلطة أدباء عبارة عن صورة للسلطة يشدون وثاقها ويعبرون عن عدلها أو يبررون سطوتها ،وأدب تتخذه المعارضة صوتا لها ، هذا يعود لدور الأدب كرسالة تصل بها جماعة إلى الشعب لتؤثر برؤيتهم ومواقفهم ، وما زال الأدب يحتل مكانة في السياسة . 

وفي ظل ترابط الأدب في السياسة يخطر ببالي دائما الشاعر وديع البستاني من أوائل الشعراء الذين تنبهوا لخطر الصهاينة في فلسطين وما وراء الانتداب البريطاني وجاهد بالشعر واستغله لتوصيل رسالة وإعلان ضروري للشعب.


الشاعر وديع البستاني لبناني الأصل ، في عام 1917 رحل إلى فلسطين. وكان أول موظف مدني في حكومة فلسطين. ولم يحتمل مؤامرات الانتداب البريطاني فاستقال وعمل في حقل الحقوق . هاجم وديع البستاني إنشاء الجامعة العبرية ومشاركة مفتي القدس والمطران في احتفال وضع أساس الجامعة ونظم قصيدة "الفتوى" إذ يقول فيها :


أفتني بالله بالكعبة بالـ ..حجر الأسود بالركن الأغر


إنْ علت في غرها شامخة ..فوق رأس الطور تلهو بالعبر


وغدتْ جامعة عبرية ..ونهى الحاخام فيها وأمَرْ


أيقولُ الشيخ والقس ائتد ..إن للمطران والمفتي حجر!
وعندما سهر الشاعر معروف الرصافي مع المندوب السامي هربرت صموئيل امتدحه في أبيات قال فيها :

ولسنا كما قال الألى يتهموننا ...نعادي بني اسرائيل في السر والجهر
وكيف وهم أعمامنا وإليهم...يمت بإسماعيل قدما بنو فهر


رد عليه الشاعر وديع البستاني في قصيدة يقول فيها :
خطاب يهوذا أم عجاب من السحر... وقول الرصافي أم كذاب من الشعر

فجعل حكومة الانتداب البريطاني تسعى بكل جهودها لعدم نشر القصيدة لكن السيد يوسف العيسى مراسل جريدة "ألف باء" الدمشقية كان قد حصل على القصيدة والرد وقام بنشرها ، والنتيجة أن معروف الرصافي هرب من فلسطين خوفا على حياته.


وقد برر الشاعر سميح القاسم  هذا الموقف من الرصافي أنه قد اختلطت عليه الأمور ودفعه إلى ذلك طيبة قلبه وسذاجته!!

ولدى وديع البستاني تاريخ حافل في سلاح الكلمة في هجومه أيضا على مفتي يافا الذي اصطحبه المندوب السامي عام 1920 إلى مصنع الخمور اليهودي ، وتناول المفتي سلة عنب وألقاها في المعصرة!!

وأذكر أيضا قصيدة محمود درويش "أيها المارون"  التي أغضبت الكيان الصهيوني حتى أن اسحق شامير عام 1988 حمل القصيدة إلى الكنيست وخطب قائلا :" إن من الواضح مثيري الشغب وأولئك الذين يحرضونهم والمتعاطفين معهم لا يرغبون في السلام او الاتفاق...وما من أحد سليم العقل قادر على فهم التلميحات يحتاج إلى جهد لفهم قصيدة الشاعر التي تطالبنا بالخروج من الأرض بأكملها ، ولكنها تحدثنا على أخذ موتانا معنا".

والجدير بالذكر أن قصيدة محمود درويش المميزة أيها المارون تحمل إيقاعا تاريخيا وفي طابعه العام يحمل العنف ويكشف عن حقيقة المحتل وطرده من الأرض التي احتلوها لذلك أثار حساسية الصهاينة واستخدموها في اعلامهم المضاد.

ودائما للأدب صدى في التاريخ ومجرياته سواء عن طريق الشعر أو النثر.


هذه إحدى مساهمات الزوار، ساهم معنا .. اضغط هنا

  للمزيد من المقالات الخاصة .. اضغط هنا

تابعنا على الفيسبوك:


  

تابعنا على تويتر: