خيالك.. الوجه الآخر للحقيقة




  طالب الشريم - العقل ميدان.. لخياله مدى.. يحضر في روؤس، ويغيب في أخرى.. يشكل الصورة بإطار يختلف من شخص لأخر.. يسعد به أُناس ويشقى به قوم.. حُرم الكثير من ذوقه ومذاقه.. ففي قراءاته عزف.. وفي تجلياته ريشة رسام.. كتب في هذا الفن الكثير من المفكرين.. ومن أجمل النصوص ما جاء في مقالة "النمل" لمصطفى محمود.. : " كأسراب النمل.. كنقط صغيرة متدافعة.. لا أستطيع التمييز بين وجوهكم.. لأني أنظر من فوق.. من فوق..". قالها هذا المفكر في أحد روائعه وتجلياته.. فأخذت جسده وحلقت به في فضاءات رحبه.. علقته في طبقات عقله العليا.. الذي لا ينفك يسبح في خيال صوفي، يتوافق مع نفسه الثائرة..

   لأني أنظر من فوق.. من فوق.. وسبحان من سخر للعبد إعتلاء القمم.. أصعد قمة جبل شاهق.. أصعد إلى أعلى برج.. في الرياض.. في دبي.. في القاهرة.. أو أينما تحط بك قدمك من علو أحد الأبراج الأرضية.. أو ألقي بنظرك من نافذة طائرة ركاب قبل إعلان الهبوط.. 

   بالتأكيد ستتبدل الأمور كثيراً حينما تنظر إليها من بعيد.. تتضاءل.. تصبح تافهة.. مثيرة للدهشة.. تنتهي الفروق.. تتساوى المقامات.. تتشابه الوجوه.. ترى المركبات الفارهة كطوابير الحشرات اللامعة.. تُرى لماذا تغيرت الصورة؟!! وأنت للتو كنت تشاهد أختلاف الوجوه.. وتمايز المركبات.. وتنوع الماركات.. أصناف البشر.. تلتقي بها.. تتعامل معها.. فيهم من يقتل.. ليستبد.. يستحوذ.. ليستعبد.. بشر يتجاوز كل القيم.. ينتفع بحقوق ليس له فيها حق.. يستميت لتحمله الكراسي.. وتحتضنه الأماكن.. تكبر به وتتمدد.. يخيل لك المشهد.. وأنت في فضاءاتك العليا.. ملامح صورة.. إطارها ركام.. باطنها قطع وحطام.. فتات متناثر.. إنها ياسادة تقزّم في المدى.. وتقلص في الخيال.. وعقل ضاقت به سعة الميدان.. فانكفأ في طياته الدنيا.. فأصبح قد رين به؟!.

  ياله من إنسان هذى الذي عطّل ما يملك من مميزات.. ولم يُعمِل (إعمال) ما لديه من مواصفات.. فأفضت أليه طاقاته المكبوته هدراً وإسفاف.. إن لكل إنسان قِيَمٌ كامنة.. لو تعرف عليها وأطلقها لكفته حِمل الأرض.. ووهبته متاعها صاغراً ذليلاً بين يديه.. إنها مجامع الحرية والاستقلالية الذاتية، وأبسط تلك الحريات هي مخيلتك التي تقوم بصايغة الإطار الابتدائي للصورة ججالتي تريدها في حياتك..

   وإن أنسى فلا أنسى مقولة.. إن العبد من استُعبِد في خياله.. كلنا عبيد لله وحده.. خيالك يستطيع أن يصور لك كوكب الأرض ك كرة معلقة بحبل مطاط.. تتهادى مع حركة يدك.. ترفعها.. تسقطها.. حينها سيروي لك هذا الخيال العظيم إن من عليها بسطاء.. لايستحقون الاقتتال للكسب.. ستشعر أنك أسمى من الغوص في غياهب الدنيا العابرة.. وتعتملك راحة الحرية.. وجمال الاستقلالية.. تمتلئ عليك روحك بالهواء النقي.. تحتفي بكيانك الذي صَغُرت أمامه ما يُعتقد أنها عظائم الأمور.. أطلق خيالك.. شكل حياتك.. وارسم إطار رؤيتك لتتسق مع قيمتك التي تستحقها.. لا تنزل السفوح.. واجعل مكانك القمم.. لتتذوق طعم الحياة كما تريد.. ورؤية جمال الكون وإبداع الخالق.
تابعنا على الفيسبوك:


  

تابعنا على تويتر: