كيف تنتقي أصحاب المواهب للعمل لديك؟





بي بي سي عربية - واجهت شركة سوني مؤخرا مشكلة في توظيف عاملين جدد لديها. وليس ذلك بسبب أن الشركة التي لها 130 مركزا للبيع تنتشر في بقاع المعمورة، بما في ذلك 38 مركزاً في الولايات المتحدة الأمريكية، لم تجد ما يكفي من المتقدمين لوظائفها كبائعين.

وتكمن المشكلة في أن الشركة لم تكن قادرة على إيجاد الأشخاص المناسبين – أو "الباعة المحترفين" - الذين باستطاعتهم أن يشرحوا مواصفات كاميرا ما دون استخدام مصطلحات معقدة.

لذا، بدأت مراكز بيع سوني في الولايات المتحدة الأمريكية في العام الماضي في التخلص من مئات المتقدمين للشواغر الوظيفية مستخدمة برامج خاصة ذات مؤشرات للتكهّن بمهارات المتقدمين.

يملاً المتقدم استمارة معلومات على موقع في الإنترنت، ويساعد البرامج في مقارنة أجوبة المتقدمين بالمواصفات المثالية التي وضعتها شركة الإلكترونيات الاستهلاكية العملاقة.

وحسب تلك المواصفات، على المترشح أن لا يكون فقط من المولعين بالأجهزة التقنية، بل عليه أن يملك مهارات بيع كافية ليشرح طريقة عمل الأجهزة للزبائن بلغة بسيطة ومفهومة.

بدا وكأن استراتيجية التوظيف الجديدة، الأكثر صرامة، قد أتت أُكُلها. قبل تطبيقها، "كانت هناك العديد من العبارات (ذات العلاقة بالأمور التقنية) التي لم يفهمها زبائننا."، كما تقول ميكايلا آيون، كبيرة مديري خدمة الزبائن وآرائهم في "مراكز سوني". "أما الآن، فإننا نطابقها مع المؤهلات المثالية لنكشف الثغرات في السلوكيات الطبيعية،" كما تقول.

ربما تكون الفجوة بين المهارات والمواهب المطلوبة لشركة سوني خاصة بمجالات إنتاج الشركة التي تمتاز بها هي فقط، حيث يركز مديروها التنفيذيون على تركيبة القوى العاملة التي تتكيف وفقا لمتطلبات العمل.

في نفس الوقت، يشجع المتحدثون في مؤتمرات كبيرة تعج بالمختصين، بما في ذلك منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الأخير، قادة الدول على إعادة التفكير في نهجهم لإيجاد وتدريب المواهب المطلوبة من العاملين على جميع المستويات، إضافة إلى وسيلة أفضل للتكهن بها.

إن "الفجوة المستديمة للمهارات" في أمريكا الشمالية وأوروبا "ازدادت سوءا عبر السنوات القليلة الماضية"، كما يقول ديفيد غارتسايد، مدير عام شركة "أكسنتشر"، وهي شركة استشارات إدارية لها مكاتب في 54 دولة.

مع تطور التكنولوجيا، تظل احتياجات الزبائن في تصاعد. بهذا، تعني شيخوخة القوى العاملة أن هناك أعداداً متزايدة من العاملين المدربين قد وصلوا سن التقاعد، وليس سن العمل. إن ندرة المواهب – أو الاحساس بأنه أمر آتٍ لا محالة- قد أصبح في قمة جدول أعمال الجيل الحالي من قادة إدارة الأعمال على مستوى العالم.

تعريف الفجوة في المواهب
على المستوى العالمي، تشهد الشركات ميلاً نحو ندرة المواهب، وهي تظهر بأشكال مختلفة. أكبر هذه المشاكل، كما يقول بعض المختصين، هي أن طلبة الجامعات لا يحصلون على المهارات المرغوبة بالشكل الكافي في مجالات العلوم والتقنيات والرياضيات والهندسة. هذه المهارات مطلوبة في كثير من الوظائف المستحدثة في العديد من بلدان واقتصاديات العالم الغربي، كما يقول غارتسايد.


في مناطق من آسيا، بما فيها الصين، تعاني الشركات أيضاً من التكيف مع مشكلة مستديمة وهي انتقال القوى العاملة من شركة إلى أخرى، بدلاً من البقاء في شركة واحدة وبناء قيمة مضافة تدريجياً للشركة التي يعملون فيها عن طريق إبقاء المهارات والمعارف فيها.

في هذا الوقت، تعاني أوروبا من "إدراة وسطى مجمّدة"، حيث يحاول المديرون التنفيذيون إيجاد سبل لتعزيز الأفكار والمهن التي لا تتغير، كما يقول غارتسايد. على المستوى العالمي، تشير بعض الشركات الكبرى إلى أن الأمر الحاسم لتوسيع نشاطاتها وفروعها حول العالم يكمن حقيقة في تشابك المهارات والخلفية المعرفية، إلا أن تحقيق مثل هذا التنوع أمر صعب.

بينما تعمل الشركات لبناء قنوات تزودها بالمواهب المطلوبة، تحاول العديد منها أن تجرب أفكاراً مبتكرة لمحاربة ندرة مهارات معينة.

تعمد بعضها إلى تعريف باسمها التجاري وما تقوم به لموظفين يُحتمل أن يعملوا لديها، حتى لو لم يكونوا سابقاً مهتمين بإجراء مقابلة توظيف. بدأ مكتب شركة التعليم العملاقة "كابلان المساهمة" في بوستن بدعوة أصحاب المشاريع التقنية ليستعملوا المساحات المكتبية الشاسعة للشركة لعقد اجتماعاتهم بغرض جعل المتقدمين المحتملين يطرقون أبوابها.

قامت الشركة مؤخراً بترتيب معسكر تدريبي لمدة 12 أسبوعاً لأولئك الذين يقيمون في محيط بوستن ممن يسعون لتعزيز وتطوير مهاراتهم. تُعرض على الخريجين من هذا المعسكر التدريبي، أحياناً، وظائف للعمل في كابلان.

إن مقابلة المترشحين المحتملين للتوظيف قبل وقت طويل من تقديمهم لوظيفة ما يساعد الشركة على توسيع سمعتها التجارية، حسب قول لورين توماس-تافل، الرئيسة التنفيذية للعمليات في قسم تهيئة الاختبارات بشركة كابلان. يساعد هذا القسم في التحضير لامتحانات التدريب في أكثر من 30 دولة. "إنه في الحقيقة يخص التواصل وتوسيع شبكة العلاقات"، كما تقول.

في الدول النامية
لغرض إيجاد العاملين المطلوبين بإلحاح، يتجه بعض المديرين إلى مناطق جديدة – بعيداً عن العواصم التقليدية- لاصطياد المواهب غير المكتشفة. قبل عامين، افتتحت شركة تخزين البيانات "نيت-آب"، ومقرها كاليفورنيا، مركزاً للاتصالات في داليان بجمهورية الصين الشعبية لأن أغلب سكنة هذه المدينة الساحلية، الواقعة في شمال شرق الصين، يتحدثون عدة لغات بما في ذلك الكورية واليابانية.


ساعد ذلك في انتشار النشاطات الآسيوية للشركة لأن ذلك قدم خدمة ملحة للزبائن الذين لا يتكلمون اللغة الانجليزية، حسب قول غريس سوريانو-آباد، نائب رئيس شركة "نيت-آب" للموارد البشرية.

ولإيجاد المركز التالي لخدمة الزبائن، "قمنا بمراجعة خطة عملنا ووضعنا خارطة بالأماكن المطلوبة حول العالم". حسبما تقول سوريانو-آباد بخصوص قرار شركة "نيت-آب" لتوسيع نشاطاتها خارج المدن الصينية الأكثر كثافة سكانية.

على مستوى الوظائف الأعلى، يمكن أن يكون إيجاد التركيبة الملائمة من الموهبة المطلوبة أمراً شائكاً، وبشكل خاص في مناطق مثل الشرق الأوسط، بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

هناك، يميل العاملون إلى شغل وظائف الدولة، كما تقول رنا غندور سلهب، شريكة إقليمية ومسؤولة عن المواهب والتواصل في شركة ديلويت الشرق الأوسط، ومقرها في بيروت.

وتضيف: "يريد زبائننا أن يروا موظفين من بلدانهم، ويجيدون التكلم باللغتين الانجليزية والعربية، وخبراء في مجال اختصاصهم."

إن إيجاد العاملين المناسبين، يعني أنك قد ترمي شباك الصيد بعيداً. وبما أن اقتصاد بعض دول الشرق الأوسط نما بشكل كبير، ساهمت الشركة في بنوك محلية لتقديم المساعدة وذلك بتدريب موظفيها لمدة عام في شركة "ديلويت" قبل أن يعودوا ثانية للعمل في البنك الأولي الذي كانوا فيه.

كما ساعدت خطة عمل للمنافسة، أطلقت حديثاً في ست دول في المنطقة، على التعريف باسم شركة "ديلويت". حصل الفائزون في هذه المنافسة على فرص سريعة لمقابلات التوظيف.

المنافسات والمسابقات هي إحدى الوسائل التي اتبعتها شركة "ديلويت" لجذب المبدعين، من الذين يحلّون المشاكل، ليتوجهوا إلى المجالات الاستشارية عبر السنين القليلة الماضية، حسب قول رنا غندور.

وتضيف غندور: "ما أقوله لهم هو إن بإمكانهم استخدام مهاراتهم للعمل أولاً في شركة ما، قبل المجازفة بمواردهم والبدء في إنشاء شركات تخصهم."

إن كسب المتخرجين حديثاً للعمل في الشركات المتعددة الجنسية ليس بالأمر الهيّن. فبينما يهتم العديد منهم بإنشاء شركاتهم الخاصة، نراهم غالباً ما يفتقدون إلى المهارات الهندسية التي ترغب بها الشركات الأوربية وتلك العاملة في أمريكا الشمالية.


أين الحل؟ يساهم المديرون في صياغة المهن قبل أن يبدأ الخريجون في البحث عن عمل. ترسل بعض الشركات ممثليها إلى داخل قاعات الدراسة الجامعية، وحتى المدارس الثانوية، ليساعدوا في كتابة المنهج الدراسي.

تشجع شركة "ناشنال إنسترومنتس" الأمريكية العاملين فيها على قضاء بعض الوقت بعيداً عن مهماتهم الاعتيادية ليصبحوا مرشدين في دروس أجهزة الروبوت ليطوّروا هذا الحقل العلمي.

وقبل ثلاثة أعوام، بدأت الشركة في العمل مع أساتذة جامعات الهندسة في أكثر من عشرة كليات للتعريف بالشركة لدى طلبة السنة الأولى في الجامعات– قبل وقت طويل من دعوتهم لحضور مقابلة بغرض القبول في فترة تدريبية.

على نطاق أشمل وأوسع، ليست ندرة المواهب في بعض المجالات بالأمر الجديد. في السنين الأخيرة، احتاجت الشركات والعاملون فيها إلى إعادة تنظيم البرامج لاستخدامها بإيقاع أسرع بغرض مواصلة ركب التقنيات المتغيرة باستمرار، والمتطلبات العالمية للأعمال والزبائن.

توظيف العاملين الجدد من ذوي المواهب الخاصة يحل فقط جزءا من المشكلة، كما يقول غارتسايد من شركة "أكسنتشر". كما أنه يحثّ الشركات على أن يختبروا أيضاً موظفيهم العاملين لديهم، وإيجاد سبل لتهيئتهم كي يواكبوا المتطلبات الجديدة.

"أصبح الناس أكثر تركيزاً على المهارات التي يحتاجونها بالضبط، لكنهم يدركون أن ما ينويه المديرون هو قدرتهم على تغيير ذلك التوازن والتركيز على توظيف عاملين لديهم قدرة أكبر على تعلم (مهارات جديدة)،" حسب قوله.


تابعنا على الفيسبوك:

تابعنا على تويتر: