للمحافظة على القمة.. فنون وآداب!





طارق العدل  - روى الكاتب باولو كويلو في روايته (الشيطان والآنسة بريم) قصة جميلة للغاية لعل الجميع يراها كثيراً أثناء حياته المهنية أو الخاصة في أشخاص كثيرين، حيث كان محتوى تلك القصة عن المناسبة التي رسم فيها الرسام العالمي ليوناردو دافنشي لوحته الشهيرة "العشاء الأخير ليسوع مع تلامذته" .

حيث أكد أن دافنشي قد وجد صعوبة كبيرة خلال رسمه تلك اللوحة حتى قابل أحد المنشدين في حفلة موسيقية كان يحضرها، ووجد في ملامحه ملامح السيد المسيح، حينها طلب منه أن يكون موديلاً وقام برسمه، ولكن تبقى له بعد ذلك صورة تلميذه يهوذا الذي كان يمثل في اللوحة جانب الشر.

وأثناء بحثه عن شخص يشبه يهوذا ذلك وجد شاباً مهملاً في نفسه قد بددت عليه ملامح الشيخوخة على الرغم من صغر سنه.. وكان سكيراً.. ملقى في أحد مجاري المياه، وعندما رآه طلب من مساعديه أن ينقلوه إلى الكنيسة من أجل أن يقوم برسمه، وبالفعل قام بذلك، ثم في الكنيسة جعلوه بوضعية الوقوف حتى يتمكن دافنشي من رسمه.

وأثناء قيام دافنشي برسمه قام بالتحدث إليه وقال إنه شاهد تلك اللوحة قبل ذلك، فسأله: أين؟ فقال له: قبل ثلاث سنوات عندما طلب منه أحد الرسامين أن يكون "موديلاً" لكي يرسم لوحة يظهر فيها المسيح حيث كان وقتها منشداً معروفاً!

تلك القصة البسيطة تعلمنا الكثير، ومن ذلك أننا عندما نصل إلى القمة وإلى مكانة اجتماعية عالية يجب أن نحافظ عليها ولا نتنازل عن تلك الوضعية أياً  كانت الظروف، فهل يمكن أن يكون بعد النجاح الكبير فشل عظيم؟

الوصول للقمة صعب لكن الحفاظ عليه أصعب.

طوال رحلة الإنسان للوصول للقمة وتحقيق مبتغاه يتعلم أشياء كثيرة، ويستفيد من كل تجربة يقوم بخوضها، وذلك هو الكنز الحقيقي الذي يستفيد منه الإنسان طوال حياته؛ لأن الخبرة التي ينمي الإنسان نفسه باكتسابها لا يمكنه أن يكتسبها في يوم وليلة، ولكنها تُكتسب باستمرار طوال حياته، وعندما يصل الفرد إلى القمة ويحقق أحلامه يظن أنه بذلك قد حقق كل شيء ولا يتحمل أي شيء، ولكنه يكون مخطئاً تماماً لأنه في ذلك التوقيت تُفرض عليه أمور جديدة يحاول عن طريقها المحافظة على تلك المكانة التي وصل إليها؛ لأنه -كما يقال دائماً في الأمثال الشعبية- "غلطة الشاطر بألف"؛ فيجب على الإنسان الناجح المحافظة على نجاحه ولا يتخلى عنه أبداً؛ حتى لا يندم في وقت من الأيام.

ولعل يهوذا ذلك خير دليل على أن الإنسان يجب عليه المحافظة على مبادئه إذا أراد المحافظة على نفسه ومقامه، فبعد أن كان تلميذاً للمسيح قام بخيانته مقابل أموال بخسة، ولعل عقابه لنفسه بالشنق لا يشفع له فيما قام به من خطأ في حق سيده، ولكنه ترك لنا قصة جميلة يجب أن نتعلم منها.
تابعنا على الفيسبوك:
تابعنا على تويتر: