دروس في الحياة نتعلمها من الأشرار وأفراد العصابات





لا يبدو أن حادث هروب أحد أباطرة المخدرات في المكسيك بتلك الجرأة قد يكشف عن الكثير من الدروس المستفادة للقادة والمديرين في مجال الأعمال، لكن بعضهم يرى عكس ذلك.

وبعيدا عن ذلك الجانب المستهجن لهذا الفعل الإجرامي، يقول بعص الخبراء في مجال الأعمال إن منظمات الجريمة المنظمة، وقراصنة الكمبيوتر، وآخرين غيرهم من الذين يعملون خارج إطار القانون، يمكن أن يقدموا دروسا للمؤسسات التي تعمل في إطار القانون حول كيفية الاستجابة للتغيرات السريعة في عالم اليوم.

وبعيدا أيضا أن تشجيع أي عمل إجرامي، يطرح هؤلاء الخبراء فكرة مفادها أن قادة الأعمال قد يتعلمون من ذلك العالم السري الكثير من الدروس المتعلقة بالمرونة، والإبداع، والقدرة على التحرك بسرعة.

يقول مارك غودمان، رئيس معهد "فيوتشر كرايمز" (جرائم المستقبل)، ومستشار دولي في شؤون الجرائم الإلكترونية: "هناك نوع من الحيوية وخفة الحركة في المنظمات الإجرامية، وهو ما تفتقده المؤسسات القانونية (التي تضم مستويات إدارية عديدة ومعقدة)".

فبينما تركز الشركات التقليدية على القوانين التي يجب أن تتبعها، ينظر المجرمون إلى طرق مختلفة لتجاوز تلك القوانين التي يرون أنها تمثل عائقا أمام تقدمهم.

ويضيف غودمان: "بالنسبة للمجرمين، لا حدود أمامهم، وهذا يخلق لهم فرصا للتفكير بشكل أوسع بكثير."

لقد تمكن جواكين جزمان، رئيس عصابة "سينالوا" المكسيكية لتجارة المخدرات من أن يتسلل خارج السجن من خلال فتحة صغيرة في غرفة الاستحمام، والتي تؤدي إلى نفق يبلغ طولة ميلا، ومجهز بالإضاءة ووسائل التهوية.

إن التمكن من القيام بتلك المهمة كان يتطلب تفكيرا إبداعيا، وتخطيطا طويل المدى، ومثابرة، وهي كلها مهارات ضرورية مشابهة لتلك المطلوبة من أجل تحقيق النجاح في أي مجال عمل كبير.

ويعبر "ديفيد ليدل"، الذي يرأس قسم التخطيط الاستراتيجي بشركة "تيغ" للاستشارات في مجال التصميم، عن فضوله فيما يتعلق بالمثابرة التي تتمتع بها مثل تلك المجموعات الإجرامية، مع إدانته للعنف وجميع الأنشطة غير القانونية التي تقوم بها.


ولا تزال بعض هذه العصابات تمارس عملها بالرغم من الجهود المضاعفة التي تبذلها جهات تطبيق القانون على جانبي الحدود الأمريكية والمكسيكية، وبرغم ملايين الدولارات التي تقدمها المؤسسات والوكالات الدولية من أجل وقف هذه العصابات.

ويعتقد ديفيد ليدل أن هناك درسا أساسيا فيما يتعلق بفكرة التخطيط طويل المدى.

وهناك استراتيجية واضحة يسلط "ليدل" الضوء عليها، وهي كيف استجاب أفراد تلك العصابة للتغيير.

فمن أجل عبور الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة، على سبيل المثال، تمكنت عصابة "سينالوا" من أن تفعل الكثير.

فقد بنت نفقا كبيرا تحت الأرض، واستأجرت أفرادا من عائلات تلك العصابة للعمل معها عبر الحدود، واستخدمت آلة منجنيق خاصة لتجاوز جدار إلكتروني يعمل بتقنيات متطورة.

وعلى نقيض ذلك، تفشل العديد من الشركات لأنها تتردد في التأقلم السريع مع رياح التغيير في الأسواق.

وأحد الأمثلة على ذلك ما حدث مع شركة "بلوكباستر" لتقديم الألعاب والفيدوهات، والتي لم تواكب تغيرات السوق، وفقدت قيمتها لصالح شركات تكنولوجية أكثر تطورا في ذلك المجال، وكانت النتيجة أن توارت تلك الشركة عن الأنظار.

يقول "ليدل" إن الفرق بين الفريقين هو أن المنظمات الإجرامية تعمل من خلال نوع من الارتجال والبديهة، وهو أمر روتيني في سلوكهم اليومي، بينما الشركات الكبيرة تفكر في مسألة الإبداع على أنها مجرد عملية ثابتة.

يقول ليد: "يمثل ذلك تحديا للقيادة، فطريقة إبداع الشركات وتنظيمها بشكل جيد يمثلان انعكاسا للقدرة على القيادة".

في الغالب، تستخدم الشركات الناشئة التي تمر بضائقة مالية استراتيجيات غير تقليدية لحل المشكلات وبناء أعمالها التجارية من مجرد فكرة بسيطة.

هذا النوع من الإبداع والتجديد غالبا ما ينبع من الحاجة، تماما مثلما يحدث مع الميزانيات المحدودة.

إن مؤسسي الشركات الناشئة والمجرمين يفكرون خارج الصندوق، ويرون طرقا جديدة ومبتكرة لتنفيذ الأشياء، كما يقول غودمان.

كما أن بعض رجال الأعمال لا يخشون حتى من أن يعملوا في مناطق قانونية "رمادية" في إطار سعيهم لكسب مساحة أكبر في السوق.

فقد لجأ مؤسسو شركة "نابستر" للخدمات الموسيقية على الإنترنت، على سبيل المثال، إلى خرق قواعد الملكية الفكرية الخاصة بأول خدمة تقدمها الشركة لتبادل الملفات الغنائية بشكل ثنائي على الإنترنت.

ورغم توقف الشركة بسبب تلك المخالفة، إلا أنها مهدت من خلال تلك التقنية الخاصة بها الطريق نحو إبداعات أخرى وبشكل قانوني، بعد أن سعى المشرعون بعد ذلك لمواكبة تلك التقنيات.


ويعتقد غودمان وآخرون أن التفكير الجدي بشأن حل المشكلات قبل الشعور بالقلق بشأن القيود والموانع الموجودة بالفعل، قد يمنع شركات كبيرة وراسخة من الوقوع ضحية لمنافسين آخرين أقل تمسكا بمثل هذه التقاليد.

وفي كتاب يحمل عنوان "الاقتصاد غيرالتقليدي" ، تسعى كاتبتاه- أليكسا كلاي، وكايرا مايا فيليبس- إلى التحقق من الطريقة التي يمكن للأفراد من خلالها تطبيق مثل تلك العقلية لكي يصبحوا أكثر إبداعا وإنجازا عمليا داخل إطار الهيكل الإداري للمؤسسات.

ولم تكتف الكاتبتان بدراسة المجرمين الذين يمارسون العنف، مثل قراصنة البحار في الصومال، لكن شملت دراستهما أيضا أشخاصا آخرين ممن خرقوا القواعد من أجل التوصل لحلول إبداعية تواجههم في أعمالهم، مثل الأشخاص الذين يعيشون في أحياء فقيرة في مومباي، أو قراصنة الكمبيوتر.

واختارت الكاتبتان خمس سمات شائعة بين هؤلاء الأشخاص، وهي: القدرة على المسارعة، والمراوغة، والإثارة، والقرصنة، والتقليد.

وتقدم كلاي في ذلك الكتاب مثالا لرجل أعمال سعودي يدعى وليد عبدالوهاب، والذي كان يعمل مع مزارعين لجلب ألبان الإبل إلى المستهلكين في الولايات المتحدة حتى قبل أن يقر المشرعون الأمريكيون ذلك الأمر.

ومن خلال المثابرة، تمكن في نهاية الأمر من التوصل لشبكة من المزارعين الأمريكين وبدأ بيع منتجه لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

والآن تبيع شركته التي تحمل اسم "ديزرت فارمز" منتجاتها لكبرى شركات التجزئة في الولايات المتحدة، مثل سلسلة محال "هول فودز ماركت".

إن الأشخاص الذين يعملون في مواقع هامشية قد لا يجدون أمامهم دائما الخيارات التقليلدية المتوفرة للعاملين في المؤسسات الكبرى، وهذا يدفعهم إلى التفكير بشكل أكثر إبداعية بشأن كيفية الحصول على أرزاقهم، كما تقول كلاي في كتابها.

وعلى هؤلاء أن يطوروا قدراتهم على التحمل والصمود من أجل البقاء، وتضيف كلاي: "في العديد من الحالات، تكون الندرة هي أم الاختراع."

المصدر: بي بي سي عربية


تابعنا على الفيسبوك  :


تابعنا على تويتر: