التمثيل مهنة غير آمنة والنجاح فيها من نصيب القلة




الممثلون الأكثر إيرادا في عام.. دوين جونسون في المركز الأول يليه ليوناردو ديكابريو .. 


الشرق الأوسط أون لاين - أحد الأسئلة التي كنت أطرحها على بعض الممثلين الناجحين، من أمثال أنطونيو بانديراس، بن كينغسلي، نيكول كيدمان، أنطوني هوبكنز، كان عما إذا كان الفن يختلط جيّدا مع «بزنس» السينما. كان سؤالا مشاغبا إلى حد بعيد، فالممثل لا يريد أن يفتح ثغرة قد تؤدي إلى إبداء رأي يظهره فنانا لا يأبه للمال أو محترفا يعمل لأجل الأجر الذي يناله. كان عليه أن يجد إجابة حذرة بين الحالتين. وأكثر الإجابات حذقا كانت من أنطونيو بانديراس، مباشرة بعد ظهوره في «سوف تقابلين غريبا داكن اللون» لوودي ألن (2010) الذي قال ضاحكا: «تقصد هل الفن تجارة؟ لا. لكن التجارة هي فن».

أنطونيو بانديراس (54 سنة) لا يمكن القول عنه إنه نجم في السينما الأميركية حاليا. نعم مشهور ومحبوب، لكن كلمة النجم بحد ذاتها محددة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بمدى قدرة هذا الممثل أو ذاك، أن يكون السبب في جر قدم المشاهد إلى الشاشة الكبيرة. تلك القدّم تعني الجيب والجيب يعني 15 دولارا يدفعها صاحبه في شباك التذاكر ليشاهد فيلما من بطولة هذا الممثل. بانديراس لا يملك هذه القدرة. كاد أن يفعل في التسعينات عندما لعب أكثر الأدوار على الشاشة تناسبا وشخصيّته، لونا داكنا، وسامة ولكنة إسبانية ومهارة في الحركة مع موهبة في الأداء، وذلك في «قناع زورو» سنة 1998.

بعد ذلك هو عرضة لمشاريع ذات احتمالات نجاح وبعضها حقق هذه الاحتمالات: «جنون في ألاباما» (1999) و«فتى جاسوس» (2001) و«الخطيئة الأصلية» (2002) و«فريدا» (2003)، وصولا إلى «حدث ذات مرّة في المكسيك» (2003) الذي كان تكملة لفيلم «يائس» Desperado لروبرت رودريغيز سنة 1995. بعد ذلك هو في مختلف الأدوار مثل جوكر في ورق اللعب. ليس رخيصا ولا مبتذلا، لكنه منفتح على الأدوار من دون شروط كثيرة.

وهو ليس وحده في هذا الشأن. المسار هو الذي يتحكم في الممثل أكثر مما يتحكّم الممثل في مساره.

قبل أن تبلغ جسيكا لانغ (65 سنة) الخمسين من العمر وجدت نفسها وقد أصبحت تدعى للاشتراك في أدوار رئيسة لكنها ليست بطولة بعدما كانت تظلل أفلامها، من انطلاقتها في نسخة 1976 من «كينغ كونغ» إلى انتهاجها سبل أفلام ذات مكانة درامية وفنية عالية، مثل «فرنسيس» و«ساعي البريد يدق الباب مرّتين دائما» و«ريف» و«جرائم في القلب» و«شمال بعيد» (وكلها في الثمانينات) سارت بها مهنتها إلى منطقة وسطية بين الأدوار الجيدة وتلك المربحة. اليوم هي وجه من وجوه الأمس تجد في القليل مما يعرض عليها (وآخرها «في السر» في العام الماضي) ما يمكن أن تقرع الطبول ابتهاجا بقدومه.

نيكول كيدمان (47 سنة) ليست في وضع بعيد. ما زالت تمثل. ما زالت مشهورة. ما زالت مشغولة، لكنها ليست الاسم الذي يهتف صوبه ملايين المشاهدين لمجرد ظهوره على الملصق أو في مقدّمة الأفلام. آخر أعمالها فيلمان من بطولتها: «غريس موناكو» و«قبل أن أنام». الأول نال حظّه الأكبر على شاشة مهرجان «كان» لكن عروضه الأوروبية لم تشعل النار تحته، والثاني هو حط D‪.‬O‪.‬A (الأحرف الأولى من مصطلح يستخدمه الطوارئ يعني «ميت عند الوصول»). الأمل، كل الأمل، في فيلمها المقبل «ملكة الصحراء» لفيرنر هرتزوغ: دور نوعي آخر، لكن الفيلم لم يحظ بعد بموعد عرض أو موزّع أميركي.

ثم هناك الممثلون الذين يحققون النجاح في منوال واحد، وحال تجربتهم منوالا جديدا، يكتشفون أنهم باتوا يقفون على سطح رقيق من جليد البحيرات قد ينكسر تحته. فيسارع إلى العودة إلى المنوال القديم. ها هو جوني دب يستعجل بدء تصوير الجزء الخامس من «قراصنة الكاريبي» (يبدأ التصوير في الشهر الثاني من العام المقبل عند بعض السواحل الأسترالية) بعد السقوط المدوّي لفيلمه «ذا لون رانجر» في العام الماضي. في الوقت ذاته، فإن أفلام روبرت داوني جونيور المقبلة لا تخلو من «المنتقمون» و«آيرون مان 4» و«شرلوك هولمز 3».

ليست الغاية هي استعراض كل أسماء الممثلين الذين يقفون في المنطقة الرمادية بعدما كانوا نجوما فعليين، لأن هذا فعل يحتاج إلى كتاب لكنها أقرب إلى التمهيد المناسب لطرح السؤال التالي: إذا ما كانت أوضاع الممثلين المعروفين متباينة والمسارات مختلفة والنتائج مرهونة، من هم الذين يقفون على قمّة النجاح من الممثلين هذه الأيام؟ ولماذا؟ والسؤال في ذيله آخر: ما معيار هذا النجاح وكيف يُقاس عندما يجري النظر إلى موقع كل ممثل على حدة، ثم كل ممثل من أولئك الذين يتصدّرون قائمة الأنجح بين ذويهم؟
القاسم المشترك بين كل هؤلاء هو كلمة «النجومية».

طبعا لا يزال جوني دب «نجما» حتى وإن فشل له فيلم أو فيلمان؟ وما زالت نيكول كيدمان نجمة ورد إليها المعجبون بالمئات أو بالملايين. ميريل ستريب ما زالت نجمة وهي فوق الستين. كريغ دانيال نجم على تباعد أفلامه بين كل جيمس بوند وآخر. لكن لهذا السبب جرى ابتداع كلمتي «سوبر نجم» Superstar أي لغاية الفصل بين النجم الذي لا يزال معروفا حول العالم (قياس أرنولد شوارتزنيغر) من دون أن تنجز هذه المعرفة إيراداته السابقة في الثمانينات، وبين النجم الذي تحقق أفلامه نجاحات متواصلة.

الكلمة ذاتها خادعة لأنها مطّاطة، لكنها في كل الحالات تتعلق بالإيرادات وليس بالقدرات والموهبة الأدائية. طبعا هناك قدر كبير من هذه القدرات لدى الممثل وإلا لما كان وصل إلى النجاح الذي حوّله من مجرد ممثل (روبرت داوني جونيور في «تشابلن») إلى «سوبر ستار» (روبرت داوني جونيور في «آيرون مان»)، لكن المقياس القاسي يعتمد على خانتين: الأولى تحسب كم أنجزت أفلام الممثل الأخيرة، والثانية، إلى جوارها، كم بات يتقاضى كأجر ثم ما مجموع أجره عن تلك السنوات.

على هذا الأساس وحده، ومن دون النظر إلى تفاصيل فنية للموهبة التي يكتنزها الممثل أو لنوعية الأفلام التي يقوم بها ومستوياتها والدور الذي ينجزه فيها، تتشكل قائمة الخمسة الأوائل الحالية والفعلية وتأتي على هذا النحو ومع بعض المفاجآت.

الرقم الوارد في السطر الثاني بعد كل اسم هو لمجمل ما حققه الممثل من عائدات في السنة الممتدة ما بين منتصف العام الماضي ومنتصف هذا العام

* المركز الأول: دوين جونسون (42 سنة)
52 مليون دولار.
لماذا؟: أنجزت أفلام هذا الممثل الأخيرة (باستثناء «هركوليس») مثل «رحلة 2: الجزيرة الغامضة» و«ج. آي. ثأر» ثم «سريع وغاضب 6» نحو 500 مليون دولار داخل الولايات المتحدة ومليار و481 مليون دولار حول العالم، وذلك في مدى العامين الماضيين فقط. «هركوليس» المذكور أنجز 72 مليون دولار محليا لكنه سجل قرابة 200 مليون دولار عالميا. أجر دواين جونسون عن الفيلم الواحد هو 15 مليون دولار‪.‬

* المركز الثاني: ليوناردو ديكابريو (39 سنة)
45 مليون دولار.
لماذا؟: يتقاضى ديكابريو مبلغا ثابتا عن كل فيلم بصرف النظر عن نتائجه، وهو 20 مليون دولار. وهو يحسن اختيار تلك المشاريع الكبيرة مثل «غاتسبي العظيم» (أنجز 145 مليون دولار محليا وقرابة 346 مليون دولار عالميا) و«دجانغو طليقا» (163 مليون دولار محليّا و421 مليون دولار حول العالم) و«ذئب وول ستريت» (117 مليون دولار محليا و392 عالميا).

* المركز الثالث: ليام نيسون (62 سنة)
40 مليون دولار
لماذا؟: أكبر الممثلين في هذه القائمة سنّا اخترق القانون الذي يحيل أمثاله لأدوار ثانوية. هذا بدأ الحدوث سنة 2005 عندما شارك في فيلم الفانتازيا «مفكرة نارنيا» الذي سجل مليار دولار حول العالم (بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا) وتعزز عندما لعب بطولة «مخطوفة» Taken (أنجز 369 حول العالم بما فيها 145 أميركيا) ثم واصل الممثل نجاحاته عبر سلسلة من أفلام الأكشن والفانتازيا من بينها «صراع العمالقة» و«فريق أ» و«مخطوفة 2» (مجموع إيراداتها الدولية يتجاور المليون ببضع مئات). قبل عامين لعب دورا بارزا في فيلم باتمان «صعود الفارس الداكن» الذي جمع في الولايات المتحدة وخارجها نحو بليون (مليار) و500 مليون دولار. صحيح أن نجاح الفيلم لا يعود إليه، لكنه يحسب له نصيب في كل الأحوال. أجره عن الفيلم الواحد 20 مليون دولار ونال ذلك في الجزء الثالث المقبل من «مخطوفة» في حين بلغت ميزانية الجزء الأول سنة 2008 25 مليون دولار تقاضى هو أقل من 5 ملايين دولار منها.

* المركزان الرابع والخامس: جنيفر لورنس (24 سنة) وبرادلي كوبر (39 سنة)
35 مليون دولار لكل منهما
ماذا يكون شعورك لو كنت في الرابعة والعشرين من العمر وجمعت في عام واحد 38 مليون دولار كأجر عما قمت بتمثيله من أدوار؟ سيكون هذا هو السؤال الأول عندما نلتقي بجنيفر لورنس عند أبواب عرض «ألعاب الجوع 3». أما الآن فهي صاحبة مبلغ 15 مليون دولار عن الفيلم حاليا. هي التي بدأت بأجر قدره 500 ألف دولار عن دورها في «ألعاب الجوع» الأول. ذلك الفيلم أنجز 693 ملايين دولار حول العالم بما في ذلك 408 ملايين دولار أميركية. حين عادت لتمثيل جزء ثان في العام الماضي رفعت أجرها إلى عشرة ملايين دولار قبل أن ترفعه مجددا بعدما حقق هذا الجزء الثاني 425 مليون دولار في أميركا و440 مليونا خارجها.

بالنسبة لبرادلي كوبر، فإن سلسلة «آثار السهرة» Hangover هي السبب الذي رفعه إلى هذه اللائحة أساسا. حين مثل الجزء الأول سنة 2009 أصابه الذهول، كما الآخرين، عندما انتشرت الكوميديا حول العالم وأنجزت قرابة نصف مليار دولار (تحديدا 465 مليونا) بينها نجاح أميركي خارق (277 مليونا). بعد ذلك، ومن بين أهم نجاحاته، الجزء الثاني من ذلك الفيلم ثم «كتاب التسالي المطرّز بالفضّة» الذي أثار الاستعجاب أيضا عندما أنجز 234 مليون دولار حول العالم. أجره الحالي يتراوح ما بين 12 مليون و15 مليون دولار عن الفيلم الواحد.

لكن ماذا عن أسماء «كبيرة» أخرى؟ أين ذهب روبرت داوني جونيور وأين هي ساندرا بولوك وكاميرون داياز وسكارلت جوهانسن؟
أساسا، فإن القائمة التي هي حصيلة معلومات دقيقة وفّرتها مصادر إحصائية ومتابعة وتحليل من لدن هذا الناقد، حددت نفسها بالأجور وليس بالمكافآت الجانبية وبالفترة الزمنية الممتدة من نهاية يونيو (حزيران) السنة الماضية إلى مطلع الشهر ذاته من هذا العام، لو لم تفعل، لكان من الضروري إضافة اسم روبرت داوني جونيور، فالرجل أنجز 75 مليون دولار، لكن ذلك جرى في العام الأسبق وبعدما نص عقده على 7 في المائة من العائدات على أساس ما يسمّى بـFirst Dollar أي من العائدات الأولى قبل الأرباح ومن قبل اقتطاع أي نسبة أخرى.

ساندرا بولوك أنجزت في الصيف الماضي نجاحا كبيرا في «الحرارة» (درّ 231 مليونا حول العالم) لكن عقدها نص على 10 ملايين دولار أجرا و15 في المائة من «الدولار الأول».

المتضررون، من نجاح هذه الفئة كثيرون. كل ممثل ناجح يأخذ من درب رفيقه. لكن الرفيق الناجح، لنقل مثلا ول سميث أو جوليا روبرتس أو مات دامون أو توم كروز، هو فئة معيّنة تستطيع أن تواصل العمل ولديها الفرصة لقلب المعادلات.

الفئة الأكثر تضررا، وحسب إحصاءات «جمعية الممثلين الأميركيين» ذاتها، هم الممثلون الذين يقفون على مقربة من الصف الثالث، أمثال هارفي كايتل وتومي لي جونز وجسيكا لانغ وغلن كلوز ومورغان فريمان، إذ يبلغ معدّل ما ينجزونه من أجر كل عام (من دون أن يعني ذلك أنهم يعملون كل سنة) ما يتراوح بين 60 ألف و80 ألف دولار.

الممثلون الأكثر معاناة هم الذين يقفون اليوم في الصف الثالث وما بعد وهؤلاء بالمئات أو أكثر. حسب مصادر الجمعية المذكورة، فإن هؤلاء (وبينهم نجوم من الأمس أمثال بيرت رينولدز وتشاك نوريس) يحصدون إيرادات موسمية متباعدة إذا ما جرى توزيعها على مراحل سنوية فإن العائد لا يتجاوز كل عام 40 ألف دولار، وما دون.

لهذه الأسباب، كما تشير إحدى الدراسات المنشورة مؤخرا، فإن بعض الممثلين من الصفين الثاني والثالث لم يعد يمانع الظهور في الإعلانات التجارية بصوته أو بصوته وصورته. مورغان فريمان، على سبيل المثال، يتقاضى مليون دولار عن كل إعلان يؤديه لبطاقة «فيزا» المعروفة. وحتى روبرت داوني جونيور دخل المجال بالسعر نفسه عندما قام بالدعاية لسيارات «نيسان». في الوقت ذاته، هناك ممثلون يؤدون الإعلان بما لا يزيد كثيرا على 3000 دولار.