هل كان الفيلسوف الكبير فولتير يكره اليهود؟




مدني قصري صحيفة الغد -  لرسول التسامح، وأمير الأنوار جانبه المظلم أيضا. كان يكره النساء، ويخاف من المثليين، وكان معاديا لليهودية، ويعاني من الإسلاموفوبيا. إنه الشخص الذي يتوارى شيئا فشيئا، الشخص الذي يقرأه الناس أقل فأقل، الشخص الذي يبدو وكأن النسيان طواه.إنه فولتير.


 كان يملك كل ما يمكن أن يُقبّحه في أعين الناس. كان يحب المال، والشهرة، والتقدم، والعقل. وكان يخشى الناس، وكان يكافح بلا هوادة ضد سلطة رجال الكهنوت الذين لم يعد لهم نفوذ في أيامنا، إذ لا أحد تقلقه اليوم سلطات الكنيسة.

 ومع ذلك، وقبل كل شيء، لا بد من أن نؤكد على عظمة فولتير. فهي حقيقية وشجاعة وليست خرافة. فإن كان يجلس على معبد المجد منذ 1791 فليس ذاك من قبيل الصدفة، أو من قبيل الخطأ. فهو بالفعل الأديب الأول - قبل زولا وسارتر وآرون وغيره الكثير - الذي اخترع شخصية المثقف الحديثة، والضمير الحر، الخاضع لمبادئ التسامح والعدالة والحرية. لقد تحمل فولتير مخاطر كبيرة، وخاض معارك كبرى، وكرس لهذه الكفاحات الوقت والطاقة، من دون أن ينتظر مكسبا أو ربحا.

كان عند صوله إلى هذه المعارك قد بلغ الستين من العمر، وقد حقق من ورائها الثروة الهائلة، وأسس شهرة واسعة في جميع أنحاء أوروبا. لم يحارب من أجل مجده وإنما من أجل مبادئ عالمية. لا شك أن الجميع يعرف هذا الوجه الناصع لفولتير. لقد صنع من فولتير أيقونةً، ومجدا لفرنسا، ومعبودا للشعب، ومرجعية من المرجعيات المؤسسة للثورة الفرنسية، وروح الجمهورية. ومع ذلك فإن لفولتير وجها آخر، غير معروف كثيرا، ومثيرا للقلق، إذ يُظهر الرجل نفسه شخصا عنصريا لا يخفي عنصرية. في كتابه " مقال حول آداب وروح الأمم "(1756) نراه بعيدا جدا عن تأكيد وحدة الجنس البشري، إذ يقول "الأعمى وحده هو الذي لا يشك في أن البيض والسود والمُهق، والصينيين والأميركيين أعراق مختلفة". ولعلنا نكتشف أيضا من خلال صفحات فولتير أنه كان يكره النساء، ويخاف من المثليين، ويمقت اليهودية.

إن محصلة هذه النصوص المنسية تثير المفاجأة، ثم الخشية، ثم تستفزنا. فهل كان هذا البطل الفائق وغدا فائقا أيضا؟ هل كان رجل عصر الأنوار صديقا للظلام أيضا؟ كانت الكراهية تتأجج في روح فولتير تجاه اليهود. كان يتحدث عنهم كثيرا، وبصورة متكررة، فيصفهم بـ "أبشع شعب ممقوت فوق الأرض"، وهذا على مدار سنوات المجد التي ما انفك يدافع خلالها عن التسامح. ففي باب التسامح من "القاموس الفلسفي" نكتشف حقده العظيم إزاء اليهود: "أشعر بالندم عندما أتحدث عن اليهود: هذه الأمة، من أوجه عديدة، تعد من أبغض الأمم المقيتة التي دنّست الأرض".

 فولتير مُعاد للسامية؟ ذاك ما لم يعد يثير اليوم أي شك، شريطة أن لا نسقط في فخ مفارقة تاريخية. كان معاديا لليهود إلى الحد الذي جعله مفرطا في إهانته واحتقاره لهم. فولتير، بطبيعة الحال، كان يجهل معاداة السامية والإبادة العرقية التي ظهرت بعد مرور مائة عام على رحيله، مع بروز العقائد البيولوجية التي اخترعتها ألمانيا في القرن التاسع عشر. ومع ذلك، فإن التقارب بين هجماته وبين معاداة السامية الحديثة كافية لأن تجعل رجال عهد حكومة فيشي، في العام 1942، ينظرون إلى نصوص فولتير وكأنها نعمة عليهم، ولذلك لم يترددوا في استخدامها كوسيلة دعاية في فرنسا أثناء وقوعها تحت الاحتلال الألماني.

 يرى الكثير أن ما يجسده فولتير، في تناقضاته وملابساته، قد يكون، ببساطة شديدة، هو فرنسا فيما تملكه من أشياء عظيمة وأخرى خسيسة. لذلك إذن لا بد من النظر إلى فرنسا على أنها حاضنة للعالم وكارهة للأخر في آن، متسامحة ومُقصية، نصيرة للمساواة وقصيرة النظر في آن. ولعل الحملات الانتخابية الأخيرة قد أكدت هذا التناقض. ففي غالب الأحيان يسعى الفرنسيون لتجنب ذلك، ويفضلون التفكير بمنظور فرنسي واحد فقط، أي بمنظور الأنوار التي اشتهروا بها عالميا. فالحال أن الصورة التي يعكسها فولتير هي المرآة التي تعكس صورة الفكر الفرنسي المعقد، وتذكرنا به. وهذه وضعية يريد الفرنسيون أن يتأملوها بعناية. فهل من عجب في أن يعيد الفرنسيون اليوم قراءة فولتير؟
تابعنا على الفيسبوك:
تابعنا على تويتر: