رحلة البشر سعياً وراء الشباب الدائم





منذ فجر التاريخ والإنسان يركض لاهثاً وراء سراب أماني الخلود والشباب الدائم.

في القدم عُرِفت ممارسات عجيبة لمحاربة الشيخوخة يرجع زمنها حتى عام 1600 قبل الميلاد، منها الاستحمام في حليب الحمير المحمض، وشرب مركبات الذهب، بل وحتى الخضوع لعمليات جراحية قد لا تحمد عقباها، وكل هذا في سبيل إيقاف عجلة الشيخوخة وإبعاد شبح الموت.

البعض أقدم على تدابير تنطوي على مخاطر جسيمة في سبيل إيجاد المهرب من الموت، لكنها كانت الضربة القاضية التي عجّلت في قدرِهم المحتوم.

وقد تبدو تلك الوسائل القديمة البالية أمراً عفا عليه الزمن وصار طي الماضي، إلا أن الحقيقة هي أن البشر ما زالوا يغذون الأمل في إدامة الشباب وتخليده ولو بالتشبث بطرق موغلةِ في الغرابة.

صحيفة Daily Mail نشرت تقريراً عن محاولات البشر على مر العصور الانتصار على الزمن، والوصول إلى شباب لا يبلى.

القرن الأول قبل الميلاد: كليوباترا وحمامات حليب الأتان المحمض الذي يقشر البشرة كيميائياً


يروي المؤرخون أن الملكة المصرية القديمة كليوباترا كانت تستحم بحليب الحمار المحمض لتحافظ على نضارة شبابها.

ومن الواضح أن حليب الحمار كان له تأثير كيميائي مقشر لأن حمض اللاكتيك المتكون في الحليب المتحمض يتسبب في تقشير الطبقة العليا من البشرة لدى وضعه عليها.

كذلك قيل أن كليوباترا كانت لها اهتمامات بعدة تقنيات تجميلية، وكانت تطبقها على حبيبها يوليوس قيصر في محاولة لإعادة نمو الشعر على صلعته الملساء.

وذهبت كليوباترا إلى استخدام براز التماسيح لتصنع منه كريم أساسٍ بدائياً للبشرة، كما كانت تزين عينيها برقائق من أحجار الملكايت النحاسي الأخضر وكبريتيد الرصاص الأسود.

بهذه الطرق كانت كليوباترا تدلل بشرتها وتزينها، لكنها كسبت أيضاً شيئاً آخر هو إبقاء الذباب والهوام بعيداً عنها. 

القرن الأول بعد الميلاد: تهافت المرضى على شرب دماء المصارعين القتلى


على مر العصور ساد اعتقاد شائع بأن تناول الدم أو نقله بين الأجساد وسيلة ناجعة لدفع الموت، ففي القرن الأول الميلادي شاع اعتقاد بأن شرب الدم يشفي من الصرع.

وكان المرضى يتوافدون لمشاهدة حلبات المصارعة الدامية، وكان هؤلاء كلما سقط مصارع مضرجاً بدمه قفزوا من أماكنهم وهرعوا للشرب من دماء المصارع القتيل، أملاً في الحصول على فوائد هذه الدماء "السحرية" المسفوحة وطلباً للاستشفاء والتعافي.

وظل هذا المعتقد وظلت هذه العادة تمارس لقرون طويلة إلى أن منعت المصارعة عام 400 ميلادية، ولكن شرب الدم ظل مستمراً حتى العصر الحديث اعتقاداً بأنه وسيلة للتعافي واستعادة الصحة.

300 ميلادية: الطاويون ونظام حميتهم المثابر على تناول السلاحف وبيوض طائر الكركي، ونصائح بالابتعاد عن النشوة الجنسية


بحسب مجلة Time الأميركية فأن قدامى الطاويين كانوا يعتمدون على حمية غذائية قوامها البهارات والخضار والسلاحف وبيوض طائر الكركي، حيث الغاية منها إطالة العمر والصحة تماماً مثل الحيوانات التي أتت منها هذه اللحوم والبيوض، كما نصح الطاويون بالابتعاد عن النشوة الجنسية وتلافيها.

أما اليوم فمازال الطاويون على عقليتهم القائلة إن ما تضعه في جسمك هو مرآة لما يخرج منه، ولذا يتحاشون استهلاك اللحوم والحبوب وأي أغذية صناعية.

القرن الرابع: دواء مصنوع من الذهب المسال، وطبق جانبي من دماغ الحمار


كتب الفيلسوف الصيني جي هونغ باستفاضة عن مفهوم الخلود، واعتقد أن بوسع أي كان التوصل إلى تحقيق الخلود شريطة استخدام توليفة صحيحة العيارات من التداوي وتمارين التنفس والتقنيات الجنسية والتمارين الرياضية والحمية الغذائية.

صنع جي هونغ عقاراً دوائياً من الذهب السائل بغية إطالة الحياة باستهلاك مواد لا تتحلل.

كذلك وصف أدوية صنعها من دماغ الحمار، إذ كان يعتقد أن دماغ الحمار يطيل عمر الإنسان إلى 500 عام.

القرن الـ13: علّامة أوكسفورد روجر بيكون واعتقاده أن شفاء الهرم هو في عدة أدوية منها نبيذ الثعابين.


كتب أحد علماء جامعة أوكسفورد، روجر بيكون، في أوائل القرن الـ13 عن "الاستشفاء" من الهرم، وذلك في رسائل وجهها إلى البابا نيكولاس الرابع الذي وضعه في السجن؛ فقد كان بيكون يعتقد أن الاحتفاظ بسر الشباب الدائم هو بشرب النبيذ المخلوط بمسحوق مصنوع من الذهب والأجاص (الكمثرى) والمرجان ومن عظمة قلب ظبي.

وكذلك وافقه الرأي الفيلسوف جالينوس الذي عاصره في تلك الفترة، حتى أن جالينوس ذهب إلى التوصية بغمس ثعبان في ذاك المزيج إذا كتب فقال "لم أر رجلاً شديد المرض يتعافى إلا إن كان شرب من نبيذ سقطت فيه أفعى."

القرن الـ16: دايان دو بواتييه، خليلة الملك الفرنسي، تشرب كلوريد الذهب لتحافظ على شباب بشرتها، لكن لعل الشراب قتلها


كانت دايان دو بواتييه، عشيقة الملك الفرنسي هنري الثاني، واحدة من أكثر الحالات الموثقة تطرفاً ومغالاة في تحمّل الصعاب سعياً لتحقيق الشباب الدائم. كانت دو بواتييه تكبر الملك بـ20 عاماً، لكن تحدثنا أخبار وقصص تلك الفترة في وصفها عن أنها كانت دوماً شابة المظهر.

كانت دو بواتييه تداوم على شرب كلوريد الذهب الممزوج بثنائي إيثيل الإيثر، ففي ذلك الزمن كان العطارون والصيادلة يبيعون عدداً من الأكاسير التي تطيل العمر وتعد الشاري بمحاربة الهرم والشيخوخة، منها ما يحتوي شباك العناكب وديدان الأرض وبيوض الضفادع وزيت العقرب.

وطبقاً لصحيفة Telegraph البريطانية فقد كتب أحد رجال البلاط الفرنسي أن دو بواتييه توفيت عن عمر ناهز 66 عاماً وكانت لا تزال تتمتع ببشرة "شديدة البياض" وأنها كانت "بنفس حيويتها وجاذبيتها" حينما كانت في الـ30. لكننا الآن نعرف أن كلوريد الذهب محتمل السمية للبشر، أما ثنائي إيثيل الإيثر فشائع الاستخدام في العقاقير الترويحية لأنه يخلق شعوراً بالنشوة.

ثم إن تحقيقاً أجراه الطبيب والباحث فيليب شارلييه قاده إلى استخراج جثة دو بواتييه من مدفنها بنورماندي، ولاحظ أن شعرها كان دقيقاً جداً، وهذه إحدى الأعراض الجانبية لـ"التسمم المزمن بالذهب". أما سر شحوب بشرتها الناصعة التي كانت مضرب الأمثال، فمرجعه أيضاً إلى تجرعها ذلك السم، حيث الشحوب أحد أعراض الإصابة بالأنيميا.

القرن الـ17: أول عملية نقل دم بشرية حيوانية


في القرن الـ17 ظهرت عدة أفكار مستقاة من عدة فلاسفة وعلماء جميعها تنادي باتباع أساليب مختلفة بغية المحافظة على الشباب. ففي عام 1623 كتب فرنسيس بيكون عن التأثير القوي للمواد الأفيونية في إطالة العمر، قائلاً إنها عادةٌ كانت تمارس لدى الإغريق.

وكتب "إن الأفيون إلى حد كبير هو أقوى وأمضى وسيلة لتكثيف الأرواح بالمغادرة" ( أي تغادر مكانها لتتركز وتتكثف في مكان آخر).

ثم بعد بضع سنوات عام 1638 خرج توبياس ويتيكر الذي كان طبيب ملك إنكلترا آنذاك تشارلز الثاني، منادياً برؤيته الطبية في شرب النبيذ لإطالة العمر.

لكن لعل أقسى ممارسات القرن الـ17 كانت تلك التي مارسها جان باتيست دينيس الذي كان الطبيب الشخصي للملك لويس الـ14، فقد أجرى أول عملية نقل دم بشري موثقة عام 1667 على صبي في الـ15 حينما نقل إليه دم خروف، ويبدو من الأقاويل آنذاك أن طبيب الصبي أدماه ثم أتى به إلى دينيس لينقذ حياته، ثم في النهاية تم تعافي الصبي من هذه العملية الغريبة.

القرن الـ18: الاستلقاء بجانب الشابات سر إطالة العمر. لماذا؟ لأن الشباب ينتقل عبر المسافات القريبة

أنتج الطبيب الألماني كريستوف هوفلاند قائمة مطولة بالأفكار التي تصب في إطالة عمر الشباب والحياة، فقد ابتكرها وكان الرائد في الوصول إليها في كتابه The Art of Prolonging Life (فن إطالة العمر).

وقد كتبت مجلة Time الأميركية أن هوفلاند اقترح الاستلقاء بجانب الشابات اليافعات ليس للجنس ولكن لكي ينتقل الشباب بالتقارب عبر المسافات القريبة، وكان هذا الرأي شائعاً حسب ما تردد في البلدان الأخرى كذلك.

كما دعا هوفلاند إلى العزوف عن "الحب الجسدي"، بيد أنه كتب أن الزواج المتأخر له فوائد لا يمكن إنكارها في إطالة العمر.

ولكن من سوء حظ النساء أن هوفلاند في اعتقاده رأى أن تركيبهن الجسماني لا يؤهلهن لفرص طول العمر نفسها التي يتمتع بها الرجال، والسبب هو هشاشة حالهن البدنية.

القرن الـ19: حقن بدم الخصى وعروقها والسوائل المنوية يمنح الشيوخ دفعة من الطاقة


أصبحت خصى الحيوانات موضوعاً ساخناً في القرن الـ19 في مجال إطالة العمر، وقد كان العالم الفيزيولوجي شارل إدوار براون-سيكار يجري تجاربه على نفسه شخصياً عام 1889 بعد أبحاثه في آفاق منافع الغدد التناسلية للكلاب وخنازير غينيا.

وفي عمر 72 حقن نفسه تحت جلد ذراعه وأطرافه السفلية بمزيج من عروق الخصية ودمها ومنيها، فقد كان هذا العالم قد لاحظ هبوط طاقته البدنية حول المختبر خلال السنوات السابقة، ثم زعم أنه مر بـ"تغيير جذري" في قوته بعد تلك الحقن.

القرن الـ20: عمليات الـ"ستاينخة" وعمليات جزئية لقطع القناة المنوية لدى الرجال من أجل تجديد شبابهم.


عام 1920 ابتكر طبيب يدعى يوجين ستاينخ عملية قطع جزئي للقناة المنوية الدافقة لدى الرجال لاستخدامها وسيلةً لتجديد شباب الرجال، فحصد متابعة وإقبالاً كبيرين.

وقيل أن كلاً من عالم النفس الشهير سيغموند فرويد والشاعر الأيرلندي دبليو بي ييتس أقبل على تلك العملية التي أطلق عليه بعض العلماء اسم "الستاينخة"، وهي عبارة عن ربط القنوات الدافقة للمني بشكل يقطعها، اعتقاداً أن كبت تلك الهرمونات سوف يعزز من إنتاج هرمونات الجنس.

كذلك في ذلك العام كان هناك عالم زميل هو سيرغي فورونوف يجري تجاربه على الخصيتين، أجرى طيلة اضطلاعه بمنصب طبيب ملك مصر عمليات نقل خصى القرود والشمبانزي إلى أكثر من 1000 رجل.

وطبقاً لبروفيسور في جامعة ماكجيل الكندية يدعى جو شوارتز فإن فورونوف كان بالأساس يجري عمليات نقل الخصى وتجديد الشباب مستعيناً بخصى مجرمين داخل السجون، ولكن عندما نفدت إمداداته، تحول إلى استخدام القرود التي كان يحتفظ بها في مزرعة له في الريفييرا الإيطالية.

القرن الـ21: التجارب على سوائل الجسم مستمرة


في عصرنا الحديث ما زال العلماء وأطباء الجلد على حد سواء يبتكرون عدداً من الأساليب الغريبة لإبطاء الشيخوخة.

فلمحاربة التجاعيد والجلد المترهل ظهرت آخر موضة في معالجة الوجه وتدليكه ببول الإنسان نفسه، حيث يقال أنه يصلح تغير اللون في التصبغ الجلدي.

وقد قيل أن معالجة وتدليك الوجه بالسائل المنوي يمد البشرة بمواد مغذية كفيتامينات ب، ج ، هـ، ما يحسن من مظهر الجلد. حتى أن أحد مراكز العناية التجميلية الفاخرة في نيويورك قد أطلق مساجاً لمعالجة الوجه بمشيمة الخروف، والتي يقولون أنها "تقلل من آثار الجلد الجاف والتلف بفعل الشمس والشيخوخة."

وقد وثقت كيم كارداشيان استخدامها لـ"مساج مصاصي الدماء" لوجهها عندما وخز وجهها بإبر صغيرة بحجم الإبر الصينية ممتلئة بدمها، حيث يشاع أن هذه العملية تحفز صناعة الكولاجين في تطرية البشرة وجعلها أكثر صفاء.

الجدير بالذكر أن الناس لم يسعوا فقط لإدامة الشباب، بل بحثوا أيضاً عن سر يمنحهم الخلود ولا تخلو حضارة من حضارات العالم القديم، من أساطير تحكي عن وجود إكسير للحياة يمنح الشباب والقوة والخلود الأبدي، ومنها حجر الفلاسفة في اليونان وفِطر الخلود في الصين، وأكل لحوم الحوريات في اليابان.


المصدر: هاف بوست عربي


تابعنا على الفيسبوك:


تابعنا على تويتر: