هكذا تبدو المعلومات داخل أدمغتنا




هنا فقط الجهل نورٌ والعلم ظلام


هل تساءلت يوماً كيف يحتفظ الدماغ البشري بالمعلومات وكيف يستطيع استحضارها بسرعة ليلبي حاجة الإنسان إلى الفعل ورد الفعل، وهل يشبه الأمر فعلاً اشتعال مصباح ينير الدماغ بوميض مذهل فائق السرعة؟ العكس هو الصحيح!

           

في فيديو على موقع YouTube نشرته جامعة هاورد هيو الطبية، ألقت الضوء على النشاط الدماغي في أسماك الزرد (سمك صغير مخطط)، عبر استخدام أحدث تقنيات التصوير الدماغي، حيث نشاهد إضاءة الخلايا العصبية في دماغ السمكة مثل اليراعات التي ترقص لتأدية غرضها.

وفي إحدى لقطات الفيديو وتحديداً الثانية 00:18، يُضيء الدماغ كلّه بوميض مذهل. احتار المعلّقون في استنباط سبب هذا الوميض، هل كان خوفاً أم إلهاماً أم ماذا؟ وقال أحدهم: "تخيل كيف سيبدو دماغ الإنسان باستخدام التقنية نفسها عند لحظة الحبّ الأول، الخوف الأول، أو الحزن الأول. كلّها ستبدو مثل سلسلة من المحفزات الكهربية، لكن كل حدثٍ منها يشكّل بالتدريج شخصيتنا وإدراكنا".

إذاً، هل تبدو لحظة ورود الفكرة فعلاً كضوء المصباح في الدماغ؟ هل التفكير بشكلٍ أعمق أو اختبار مشاعر عميقة مثل الحب والخوف والحزن يُضيء المزيد من الخلايا العصبية؟ وإن كان الاعتقاد بأننا نستخدم 10% فقط من أدمغتنا صحيحاً، هل يعني استخدام 100% من طاقتها ضروباً من العبقرية؟

هل العلم نور حقاً؟
من أجل البحث في الطريقة التي يضيء بها المخ استجابة للتعلم، بحسب موقع Psychology Today، استخدم فريق علمي بقيادة العالم تاكاكي كومي ياما تقنية تصوير مشابهة لدراسة الخلايا العصبية في الفئران. صوّر كومي ياما وزملاؤه الجزء الذي يستجيب إلى الروائح في الدماغ -والمعروف باسم المركزّ الشمّي- بينما كانت الفئران تتعلّم الروائح.

استخدم العلماء صبغة مشعّة تلمع عند اندفاع ذرات الكالسيوم داخل الخلية العصبية، وذلك لمراقبة نشاط الخلايا المترالية وهي خلايا محفزة تُرسل معلومات الرائحة إلى القشرة الدماغية - والخلايا الحبيبية - خلايا مثبطة بروابط موضعية.

عندما يتعرّض الفأر لرائحة جديدة، تُضيء كل الخلايا المِترالية بتوهّج يكاد يكون جماعياً. لكن، بعد أيامٍ من تعلم الروائح، تُضيء القليل من الخلايا. والأغرب، أن الفأر إن تم تخديره، فإن كل الخلايا المِترالية تستجيب مجدّداً بانسجام، على الرغم من كون الفأر فاقد الوعي. أما الخلايا الحبيبية المثبطة، التي لا تُرسل المعلومات مباشرة إلى القشرة الدماغية، فأظهرت نشاطاً مُعاكساً لنشاط الخلايا المترالية: الروائح الجديدة والروائح المُقدّمة تحت التخدير أدّت إلى استجابة قليلة، بينما تعلّم الروائح الجديدة أدّى إلى نشاطٍ جماعي.

والسؤال إذا:
لماذا تستجيب الخلايا التي تحمل المعلومات إلى قشرة الدماغ أقل عندما تُقدّم للفأر مجموعة من الروائح تعلمها بالفعل، وتستجيب أكثر لروائح لا يتعرف عليها الفأر؟ في تخيّلنا للدماغ، ألا ينبغي أن يكون الجهل ظلاماً والعلم نوراً؟

نظرية المعلومات


رغم اتهام البعض "نظرية المعلومات" على أنّها ضبابية وغير موضوعية، يتعامل العلماء الآن مع المعلومات بصفتها كمّيات أولية، مثل الكتلة والطاقة. هذه الثورة، التي بدأت مع "كلود شانون" أول منظّري نظرية المعلومات، تعرّف المعلومات على أنّها "تقليل الشكّ".

تخيّل أنّك تلعب لعبة "المشنقة" مع صديق. ولأنك لا تعرف الكلمة المختارة، ربّما تؤثر السلامة وتختار حرف مد. لكن أحرف المد شائعة، وبالتالي لن توفر لك الكثير من الأدلة. افترض بدلاً من ذلك أنّك خمّنت حرفاً نادراً مثل قـ أو هـ. تقلل هذه الأحرف الاحتمالات، لهذا السبب تحمل معلوماتٍ أكثر من حروف المد.

من أجل قياس ذلك النقص في الشكّ، قاس شانون المعلومات في صورة أجزاء، عن طريق النظر في احتمال حدوث حالة مثل وجود حرفٍ صيني في الكلمة. ولأن هناك حروفاً أكثر بكثير في الكتابة الصينية من حروف الأبجدية الإنكليزية، فإن كل حرفٍ صيني يُعتبر نادراً، ويحمل المزيد من المعلومات.

في المقابل فإن العملة المعدنية، بحالتيها -الملك والكتابة- تحمل بالضبط جزءاً واحداً من المعلومات، مثل الإجابة على سؤال نعم أو لا. ومن المهم معرفة أن الإشارات يُمكن أن تحمل معلوماتٍ غير ذات معنى: فنظرية المعلومات تنظر فقط إلى الاحتمالات لا الدلالات.

ومن أجل حمل المعلومات، لابد أن يتمكن الدماغ من الاختيار من مخزون من الحالات المحتملة. فالدماغ الذي تشتعل كل خلاياه العصبية في انسجام هو مثل أبجدية بها حرفان فقط: تشغيل وإيقاف. وبالتأكيد، فإن فقدان الوعي يتزامن مع انسجام الكثير من الخلايا العصبية خلال النوم والتخدير ونوبات التشنّج، مما يقلل من المحتوى المعلوماتي للدماغ.

في المُقابل، عندما يستجيب عدد قليل من الخلايا العصبية لمؤثر ما، فإنّها تكوّن حالة نادرة وتقلل الشكّ تماماً مثل الحرف قاف في لعبة المشنقة. تُعرف هذه الاستراتيجية باسم التشفير المتناثر، لأن المعلومات تُشفر بالقليل من الأحداث. ويُوفر التشفير المتناثر طاقة الدماغ، إلا أنه لا يعني أن الخلايا الصامتة غير مهمة.

نظام الفوضى
أسمى شانون وحدة قياس المعلومات "الإنتروبي"، وهو مصطلح يعني الفوضى. تحتوي الأنظمة الفوضوية على مخزونٍ أكبر من الحالات والمعلومات، وذلك لإمكانية ترتيبها بطُرقٍ أكثر من الأنظمة المُنظمة. وبالفعل تنتقل الخلايا المِترالية من حالة عالية الترتيب -كل الخلايا تعمل في تناسق- إلى حالة عالية الفوضوية -تستجيب الخلايا فيها بغير انسجام- على مدار عملية التعلم.

يُشبه الأمر غرفة نومك التي تنتقل من حالة مرتبة ومنظمة إلى الفوضى المبعثرة مع الوقت. في الواقع، يُخبرنا قانون الديناميكا الحرارية الثاني بأن الفوضى في أي نظامٍ مغلق تتزايد مع الوقت ما لم يُبذل جهد لتنظيمها. ويُنقل عن عالم النفس كارل يونغ ذات مرة: "في كل الفوضى يوجد كون، وفي كل اضطراب هناك تنظيم سري".

هل تساءلت يوماً كيف يحتفظ الدماغ البشري بالمعلومات وكيف يستطيع استحضارها بسرعة ليلبي حاجة الإنسان إلى الفعل ورد الفعل، وهل يشبه الأمر فعلاً اشتعال مصباح ينير الدماغ بوميض مذهل فائق السرعة؟ العكس هو الصحيح!


المصدر: هاف بوست عربي


تابعنا على الفيسبوك:


تابعنا على تويتر: