كيف كان حمل جواز سفر من أكبر "المزايا" في القرن التاسع عشر؟




كيف يمكن أن يكون العالم بدون جواز سفر ..


ربما لم تسمع من قبل بناشر بريطاني مرموق يدعى جون غادسبي، والذي كان قد سافر عبر أوروبا في رحلة شهيرة له كصحفي في منتصف القرن التاسع عشر.

وطرح أثناء كتابته حول التجربة السؤال التالي: "ما قولكم إذا لم يكن باستطاعتنا التنقل من مدينة لأخرى بدون جواز سفر أو قوات شرطة تحمينا؟".

وكانت الإجابة: "لا بد أن تعلموا أننا لم نشكر الله بما يكفي لما نحصل عليه من مزايا".

وبحسب تقرير حول أصول استخدام جوازات السفر نشر في النسخة الإسبانية من موقع BBC فإن إجابته جاءت على هذا النحو لأن نظام استخدام جواز السفر كما نعرفه الآن كان مختلفاً.

وذكر التقرير وهو من سلسلة " 50 أمرًا استجد في الاقتصاد المعاصر" أنه في ذلك الوقت استخدمت الجوازات فقط لتكون بشكل أساسي مجرد إخطار أو خطاب موقع من شخصية نافذة طُلب منها الإذن بالسماح للمسافر باستكمال رحلته دون تعقيدات.. أو دون أن تكون هناك عواقب.

فإذا كنت قد عبرت حدود دولة ما من قبل، فسيبدو ما يلي مألوفاً بالنسبة إليك: يجب أن تنتظر في طابور للتأشير على صيغة معينة أمام موظف ذي زي رسمي، ثم يتم التحقق من ملامح وجهك للتأكد من أنه يبدو فعلاً شبيهاً بالنسخة الأصغر والأنحف منك التي تظهر في صورتك الشخصية (ومن قصة الشعر كذلك: كيف كنت تفكر فيها؟).

ومن الوارد أن تسأل عن مسار رحلتك ريثما يقوم الحاسوب بتتبع اسمك في قائمة الإرهابيين المحتملين.

ولكن، خلال أغلب المراحل التاريخية، لم تكن جوازات السفر مستخدمة في كل مكان أو بطريقة شديدة الروتينية.

جواز سفر لمغادرة الدولة


إن مفهوم جواز السفر كعنصر من عناصر الحماية يرجع إلى عصر سيادة الحكم الديني.

وكانت الحماية في الماضي امتيازاً من الامتيازات، وليست حقاً، فمثلاً واحد من الفرسان الإنكليز مثل غادسباي لكي يتقدم بطلب جواز سفر قبل أن يغامر لعبور بحر المانش بين إنكلترا وفرنسا، كان عليه أن يعود إلى علاقاته الاجتماعية حتى يمكنه الوصول إلى الوزير المختص بهذا الشأن.

على الرغم من ذلك، فإنه وفقاً لما اكتشفه غادسباي خلال رحلته في فرنسا، التي كانت واحدة من أكثر الدول بيروقراطية في أوروبا، أدرك الفرنسيون أن إمكانية إصدار جوازات السفر تتيح لهم أداة للتحكم الاجتماعي والاقتصادي.

وحتى إذا عدنا إلى ما قبل ذلك بقرن واحد، فإن الفرنسيين كان عليهم أن يظهروا مستندات ووثائق ليس فقط لمغادرة البلاد، ولكن أيضاً للانتقال إلى بلد آخر.

أما اليوم فإن البلاد الغنية تقوم بتعزيز حدودها من أجل أن تبقي العمالة غير الماهرة خارج البلاد، وإذا نظرنا إلى التاريخ فإننا نجد أن السلطات المحلية كانت تستعمل جوازات السفر من أجل منع مواطنيها الأكفاء من الرحيل.

على وشك الاختفاء
مع مرور الوقت، أصبح السفر أكثر سهولة ورخصاً من خلال السكك الحديدية والسفن البخارية، وفي تلك الحقبة لم تعد جوازات السفر أمراً مرغوباً فيه.

فقرر الإمبراطور الفرنسي نابوليون الثالث اتباع النظام البريطاني الذي عبر "غادسباي" عن إعجابه به، لأنه أكثر سلاسة، فوصف جوازات السفر بأنها "اختراع قمعي.. وعار وعائق في وجه المواطن المسالم".

لذا قرر إلغاءها في سنة 1860.


واتبعت العديد من الدول خطى الفرنسيين في هذا الصدد فألغوا اشتراط جوازات السفر أو قاموا ببساطة بوقف التعسف في الالتزام بها، على الأقل في أوقات السلم.

في سنة 1890، كان من الممكن أن تسافر من أوروبا إلى أميركا دون الحاجة إلى أي جواز سفر، على الرغم من أنه كان من الأسهل لك أيضاً أن تفعل ذلك إذا كنت أبيض البشرة.

في بعض دول أميركا الجنوبية، أقرت الدساتير الحق في السفر دون جوازات، وفي الصين واليابان كانت مثل هذه الوثائق مطلوبة من الأجانب فقط عند دخول البلاد.

ولكن بحلول القرن العشرين، لم يتبق إلا القليل من البلدان التي كانت تصر على وجود جواز السفر للسماح بدخول أو خروج المسافرين.

وبدا وكأن اختفاء جوازات السفر هو أمر وشيك الحدوث على المدى القصير.

فكيف كان سيصبح شكل العالم اليوم لو أن ذلك كان قد حدث؟

رمز لأزمة المهاجرين
في صبيحة أحد الأيام من شهر سبتمبر/أيلول سنة 2015، ركب عبدالله كردي وزوجته وطفلاه الاثنان قارباً مطاطياً من شاطئ مدينة بودروم التركية، كانوا يرغبون في قطع الأربعة كيلومترات من بحر إيجه وصولاً إلى جزيرة كوس اليونانية.

غير أن المياه عصفت بالقارب وانقلب رأساً على عقب، فتمكن عبدالله من التشبث بالقارب ولكن عائلته غرقت.

جثة الطفل الأصغر إيلان الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط انجرفت مع أمواج البحر نحو الشاطئ التركي حيث تم تصويره من قبل مراسل إحدى وكالات الأنباء المحلية.

صورة الطفل إيلان كردي تحولت إلى رمز لأزمة المهاجرين التي هزت أوروبا في ذلك الصيف.

عائلة كردي لم تكن تخطط للبقاء في اليونان، ولكنهم كانوا يأملون أن يبدأوا حياة جديدة في مدينة فانكوفر الكندية حيث تقيم أخت عبدالله "تيمة"، والتي كانت تعمل مصففة شعر.

كانت هناك خطوط طيران تسافر من تركيا إلى كندا بشكل أكثر سهولة ولا تمر عبر ركوب قوارب مطاطية نحو جزيرة كوس.

والأربعة آلاف يورو التي دفعها الأب للمهرب كان من الممكن أن تشتري تذاكر طيران للأسرة بأسرها.. ولكن كردي لم يكن عنده جواز سفر صالح.

في الواقع، كان ذلك بسبب رفض الحكومة السورية الاعتراف بمواطنة الإثنية الكردية، فلم تكن ثمة سبيل أخرى.

اللون الصحيح


ولكن حتى لو كانوا يملكون جوازات سفر سورية، فإنهم لم يكونوا ليقدروا على ركوب الطائرة المتجهة إلى كندا.

في المقابل، إذا كانت وثائقهم صادرة عن السلطات السويدية، أو السلوفاكية، أو السنغافورية لم تكن العائلة لتواجه أية مشاكل.

إن اسم الدولة الذي يظهر على جواز السفر هو ما يحدد إذا ما كنا سنتمكن من السفر أو العمل (على الأقل بشكل قانوني) في ظروف تبدو طبيعية، إلا أن ذلك هو مجرد تطور تاريخي حديث، ومن وجهة نظر معينة يعد غريباً للغاية.

نحن نفتخر بمنع أصحاب العمل من التمييز ضد العمال الذين لا يمكنهم تغيير خصائص دولهم أو جنسهم أو عمرهم أو توجهاتهم الجنسانية أو ألوان بشراتهم.

ويظل تغيير جواز السفر أمراً ممكناً، فعلى سبيل المثال: من يمتلك 250 ألف دولار أميركي يمكنه أن يشتري جواز سفر من جزر سان كريستوفال ونيفيز الموجودة في البحر الكاريبي.

ولكن بالنسبة لمعظم الناس يتوقف جواز السفر على هوية الوالدين ومحل الميلاد، وهما أمران لا يمكن لأي أحد أن يختارهما.

وعلى الرغم من ذلك فإنه ليست هناك نزعة شعبية تدعو إلى الحكم على البشر بناء على شخصياتهم أو بناء على ألوان جوازات سفرهم.

المهاجرون "لأسباب اقتصادية"
لم تمض ثلاثة عقود بعد على سقوط جدار برلين وها هي الآن قيود الهجرة تعود لتصبح صيحة واسعة من جديد.

فالرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد أن يقيم جداراً على الحدود مع المكسيك، ومنطقة الشنغن التي تسمح بحرية انتقال الأفراد بين معظم دول أوروبا تتصدع بفضل ضغوط أزمة المهاجرين التي تعاني منها القارة.

وفي هذه الأثناء، يناقش الزعماء الأوروبيون كيفية التفرقة ما بين اللاجئين والمهاجرين "لأسباب اقتصادية".

إن الفكرة هنا هي أنه من الضروري منع دخول أي شخص لا يعاني من اضطهاد ولكنه يبحث فقط عن وظيفة أفضل لتحسين حياته.

وفي المضمار السياسي تتزايد الآن صعوبة مناقشة المنطق وراء وضع تقييدات الهجرة.

أما في المجال الاقتصادي فإن المنطق يشير إلى اتجاه معاكس، فالإنتاج ينمو نظرياً مادام مسموحاً للمصنعين بأن ينتجوا تبعاً للطلب.

أما من الناحية العملية فإن كل عملية هجرة تخلق رابحين وخاسرين، ولكن الدراسات تشير إلى أنهم يولدون رابحين أكثر مما يخلفون خاسرين.

وفي الدول الغنية يتحسن وضع خمسة من كل ستة مواطنين بوصول السكان الجدد إلى بلد المهجر.

إذن فلماذا لا تتم ترجمة ذلك إلى مناصرة شعبية لسياسات الحدود المفتوحة؟

الإدارة السيئة
ثمة أسباب تطبيقية وثقافية كثيرة توضح كيف من الممكن أن تتعرض قضية الهجرة لإدارة سيئة.

على سبيل المثال: عندما لا يتم تعزيز الخدمات العامة وتطويرها بسرعة لمواجهة الزيادة في أعداد مستخدميها، من الصعب أيضاً التوفيق بين الطوائف الدينية المختلفة.

فضلاً عن ذلك فإن الخسائر تبدو كما لو كانت ملحوظة أكثر من المكاسب.

دعونا نلقي نظرة على إحدى القضايا: مجموعة من المكسيكيين وصلوا إلى الولايات المتحدة من أجل العمل في جمع الفاكهة مقابل أجر أقل من الذي تتقاضاه العمالة المحلية، نتيجة لذلك ستنخفض أسعار الفاكهة قليلاً وسيصبح بمقدور الجميع أن يشتريها بسعر أرخص، ولكن بعض الأميركيين سيفقدون وظائفهم.

الفائدة التي تعود من رخص أسعار الفاكهة ستكون أكثر انتشاراً وستكون صغيرة للغاية بحيث تصعب ملاحظتها، ولكن الثمن الذي سيدفعه بعض الأميركيين الذين سيصبحون عاطلين عن العمل سيسبب استياءً هائلاً.

إن الضرائب والنفقات العامة يجب أن تكون مهيئة لتعويض المتضررين، غير أن هذا لا يحدث عادةً.

من ناحية أخرى يظل المنطق الاقتصادي للهجرة أكثر إقناعاً عندما لا يتضمن الأمر عبور الحدود.

ففي عقد الثمانينيات من القرن الماضي عانت المملكة المتحدة من جراء التراجع الاقتصادي الذي أثر على بعض المناطق أكثر من غيرها، فاقترح الوزير نورمان بطريقة بلهاء أن يستقل العاطلون عن العمل دراجاتهم الهوائية في جولات للبحث عن عمل.

فكم سيكون مقدار التحسن في الأداء الاقتصادي العالمي إذا استقل الجميع دراجاتهم للبحث عن العمل في أي مكان؟

وفقاً لتقديرات بعض الخبراء الاقتصاديين سيبلغ التحسن في الأداء مقدار الضعف.

المزيد من الثروة بدون جوازات السفر
هذا قد يعني أن عالمنا من الممكن أن يصير أكثر ثراءً إذا كانت جوازات السفر قد اختفت في البدايات المبكرة للقرن العشرين، والسبب الذي لأجله لم يحدث ذلك هو ببساطة: الحرب العالمية الأولى.

إن اعتبارات الأمن كانت قد طغت على سهولة السفر، ففرضت الحكومات قيوداً جديدة أكثر صرامة على الانتقال، وعندما حل السلام رفضوا التخلي عن هذا المصدر الجديد للسلطة.

وفي سنة 1920 عقدت "عصبة الأمم" التي كانت حديثة التأسيس وقتها "المؤتمر الدولي لجوازات السفر والإجراءات الجمركية وعبور الحدود"، ومنذ ذلك الحين ظهر جواز السفر بمفهومه المعروف الآن.

وقد نص المؤتمر على أنه اعتباراً من سنة 1921 تكون قياسات جواز السفر هي 15.5 × 10.5 سنتيمترات، وتحتوي على 32 صفحة، ملحق بها بطاقة تتضمن صورة حامل الجواز، ولم تتغير هذه الشروط إلا قليلاً جداً منذ ذلك الحين.

الجدير بالذكر أن جوازي السفر الألماني والسويدي يتصدران قائمة أفضل جوازات السفر في العالم، حيث يمنحان لحامل أي منهما الدخول إلى 158 دولة دون تأشيرة دخول، بحسب تصنيف موقع Passport Index.

وتعتمد قوة جواز السفر في تصنيف Passport Index، على عدد الدول التي يمكن لصاحب هذه الوثيقة دخولها دون تأشيرة.


المصدر: هاف بوست عربي


تابعنا على الفيسبوك:


تابعنا على تويتر: