شخصيات خلقناها من سراب





محمد عواد - جلست مع ذلك الصديق المتألم للغاية من صدمته بالمرأة التي أحبها وكان على شفا الزواج منها ، كان في البداية يرى فيها المثقفة الطموحة والتي ستدعمه في بيته وتجعل حياته أفضل ... كل شيء تغير حسب قوله مع اقتراب يوم الزفات فتحولت سخيفة مثل الكثيرات غيرها ، لا تهتم به وتتميز بأنانية لا يمكن تحملها ليكون قراره : " الانسحاب".

نقاش بسيط مع ذلك الصديق وسؤال عن طريقة تعرفه عليها ، وعن بداية نقاشاتهم وعن بداية حياتهم فلم أجد ما يجعله يعتقد بأنها مختلفة فهي بلا أحلام وبلا قراءة وبلا موقف ، لكن المشكلة أن صديقي أراد أن يراها " مختلفة" فعاش سراب أنها مختلفة حتى اقترب منها أكثر فعرف أنها سراب وأنها مثل غيرها.

أنا كذلك عشت هذا السراب وخلقته ليس مع فتاة أحببتها وحسب ، لكنني مثلاً انضممت يوماً إلى أحد الأحزاب السياسية واعتقد أنه الحزب المثالي ومضيت معه معتقداً فيه المثالية ، وكان من ينتقده أغلق أذني أمامه حتى شاهدت بأم عيني كل أشكال القبح فعرفت أنني عشت السراب وغرقت فيه ،  فقلت وداعاً له وعدت إلى حياة الواقع.

هذا الأمر يمتد إلى الشعراء والكتاب والرياضيين ، فبعضنا يرفض أن ينتقد هذا الشاعر أو ذلك اللاعب ويراه مثالياً لا يخطىء وغير قابل للانتقاد ... وكل الهدف أن نخلق تلك الشخصية المثالية التي لا وجود لها في الواقع فنعيش على سراب هذه الشخصية حتى لا يستطيع عقلنا تحمل الكذب على نفسه فيرفض هذا الشكل السرابي ويخلق سراباً جديداً لفترة مؤقتة أخرى.

هذا السراب نفسه هو الذي أثر على بعض المتدينين والذين نشروا قصصاً خرافية لا يمكن تصديقها ، وتبين بعد ذلك بزمن أن كل تلك القصص كذب فإما منسوخة عن أساطير هندية أو افتعلها بعض الملحدين ليهزأوا من بساطة المتدينين وقصة الفتاة الممسوخة ليست ببعيدة عنا....والسبب هنا أننا نعتقد أن الدين يعطي قدرات خارقة وليس حياة سعيدة ناجحة فقط ، ولأن اعتقادنا خاطىء خلقنا واقعاً كاذباً ليصبح اعتقادنا صحيح ولو بشكل مؤقت.

في النهاية هذا مرض قد أصابنا جميعاً لكن العلاج موجود في روحنا ، فلنعترف بأن لا وجود للمثالية ولنشك بكل فكرة لدينا ولنراجع قناعاتنا كلها مرة واحدة في الشهر ... وسوف تنهار أبراج السراب وتستمر الحقائق فقط.  


 تابع الكاتب على الفيسبوك وتويتر:






تابعنا على الفيسبوك:
 

تابعنا على تويتر: