قصة ملعقة الخشب.. من طهاة الملوك إلى مكافأة التلاميذ





من أشهر أقوال جداتنا في مجال الطهي أنه من أجل تحضير طبق لذيذ فأنت بحاجة إلى القليل من حبات الثوم، وبعض القطرات من زيت الزيتون، وملعقة من خشب. فلطالما اعتبرت ملعقة الخشب في المطبخ القديم عنصرا أساسيا فيه، إذ كانت تعد أفضل ما يمكن أن تحرك به ربة المنزل المربيات على أنواعها، أو أطباق اليخنة والمجدرة والكشك وغيرها من مكونات المائدة اللبنانية العريقة، كما أننا نحمل لها في ذاكرتنا صورا من طفولتنا السعيدة.

فمن منا لا يتذكر جدته وهي تحضر «رب البندورة» أو تحرك «مقلوبة القمح» أو «العدس بحامض» في قدر كبير وهي تحرك مكوناتها بشغف وحب؟ وكم من مرة سرقناها من مطبخ والداتنا لنستعملها في مطبخ لعبة «بيت بيوت» المفضلة لدينا، أو لنمرغ فيها خليط التراب والمياه لنبني بواسطتها بيتا من طين، أو لاستخدامها في أي من الألعاب البديهية التي كنا نمارسها في الزمن الجميل.

* الدور الذي لعبته ملعقة الخشب على مر التاريخ
حصدت ملعقة الخشب شهرة واسعة على مر الزمن، فهي إضافة إلى كونها الأداة الأكثر استعمالا في مطابخ الملوك والأمراء، فقد تم استخدامها كرمز للدلالة على فشل البعض في دراستهم أو في ممارستهم الرياضة.

ففي بريطانيا مثلا وفي القرن الثامن عشر بالتحديد كانت توزع في المدارس للتلاميذ الذين لا ينجزون امتحاناتهم بنجاح، فيكون مجموع علاماتهم المدرسية دون المستوى المطلوب. وبعدها انقلبت المقاييس لتصبح هذه الملعقة بالذات مكافأة تقديرية للتلامذة الذين يتمتعون بشعبية كبيرة بين زملائهم.

أما اليوم وفي رياضتي «التجديف المائي» و«الرغبي» بالتحديد، فقد خصصت جائزة «الملعقة الخشبية» للفريق الأكثر فشلا في هاتين اللعبتين.

* عدم ملاءمة ملعقة الخشب لعناصر المطبخ السليم
رغم كل الشهرة التي نالتها ملعقة الخشب على مر الزمن، ورغم التاريخ الذي تحمله في طياتها، فإن هذه الملعقة بدأت تنسحب رويدا رويدا من مطابخ ربات المنزل اليوم، كونها لا تتطابق مع مواصفات المطبخ النظيف والسليم. فموقع ملعقة الخشب اختلف تماما بين الماضي والحاضر، إذ صارت من أدوات المطبخ غير المرغوب فيها كما يؤكد خبراء الطهي في المطبخ العصري. فهي برأيهم ناقلة سهلة للبكتيريا من طبق إلى آخر، فباستطاعة مادة الخشب أن تخزنها في جوفها وفي شقوقها بشكل كبير.

ويقول الشيف مارون شديد عن هذا الموضوع: «برأيي إن الملاعق الخشبية لا يجب استعمالها في المطبخ بتاتا، فالخشب مادة تمتص السوائل بسرعة، كما أنها تتأثر بالرطوبة والحرارة ومذاق الطعام، فمن خلال رائحتها التي تعلق عليها، نستطيع أن نتعرف إلى نوع الطعام الذي حضرناه مسبقا فيها». ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما هو ممكن أن يشكل خطرا علينا في المطبخ يجب أن نلغيه من لائحة استعمالاتنا، ومن الأفضل عدم استخدام ملعقة الخشب، لا سيما أنها بحاجة إلى التنظيف الدائم وبصورة دقيقة، كما أن لونها يتبدل مع الوقت ويصبح من الأنسب شراء غيرها بين الحين والآخر».

ملاعق الستانليس والـ«exoglass» سرقت وهج ملعقة الخشب
تعد الملاعق المصنوعة من معدن الستانليس ستيل، إضافة إلى تلك المعروفة باسم الـ«exoglass»، الأفضل للاستعمال في الطهي وتحضير الأطباق. فالأولى معروفة منذ زمن ويلجأ الطهاة إلى استعمالها منذ مدة طويلة. أما الثانية فمصنوعة من مواد مركبة تتمتع بصفتي الصحي والسليم، فهي صالحة خصوصا للأطباق التي تحضر في الأوعية المطلية كالـ«تيفال» مثلا. فهي لا تجرحها أو تتسبب في تغيير طلائها وإزالته عنها. ومن ميزات ملاعق الـ«exoglass»، أنها خالية من المسامات وسهلة التنظيف، كما أنها تحافظ على شكلها لمدة طويلة، فلا تتجوف أو تتشقق كما أنها تستطيع أن تتحمل حرارة تصل إلى 430 درجة. وبعبارة واحدة فهي مطابقة للمواصفات الصحية المطلوبة في المطبخ السليم.

واللافت أن هذا النوع من الملاعق يلائم أجواء المطبخ العصري، من حيث ألوانها المختلفة، التي يمكن أن تختارها ربة المنزل حسب لون مطبخها، كما أنها يمكن أن توضبها في أدراج خزانات المطبخ، إذ ليست بحاجة إلى أن تتنفس كملاعق الخشب التي يتطلب للاحتفاظ بها، ووضعها في الهواء الطلق بشكل مستديم حتى لا تتسبب رطوبتها بنمو البكتيريا عليها بسرعة.

أما ملاعق البلاستيك فهي بدورها محبذة، شرط أن تكون من النوع الصالح لهذه الاستعمالات. وينصح بشراء الماركات المعروفة منها والأغلى سعرا، كون التجارية منها مصنوعة من مواد اصطناعية دون المستوى، يمكن أن تتسبب بأمراض كثيرة في ما لو استخدمت في السوائل الساخنة.

* نصائح نقدمها لربات المنازل المتمسكات باستعمال ملعقة الخشب
إذا كنت من الأشخاص المتمسكين باستعمال ملعقة الخشب، أو أنك تنوين استبدالها في المستقبل القريب عندما تفقد بريقها، ما عليك سوى القيام بالتالي:

- يجب غسل ملعقة الخشب وتعقيمها في كل مرة تستعملينها كي لا تكون حقلا سهلا لنمو البكتيريا عليها.

- يجب أن توضع دائما في الهواء الطلق كي تتنفس وتتخلص من أي رائحة أو مذاق، وكذلك كي لا تترك أثرها على أي طبق جديد يحضر بواسطتها.

- يجب تخصيص ملعقة خشب للحلويات وأخرى للأطباق المالحة، فلا يجب استعمال ملعقة واحدة للنوعين حتى لا يتأثر الواحد بمذاق الآخر.

- ينصح خبراء الطهي بتطبيق هذه النصائح على أي أداة خشبية تستعمل في الطهي، ومنها اللوح الخشبي الذي نفرم أو نقطع عليه البصل أو اللحوم أو الفواكه. فلا يجب أن نستخدم اللوح نفسه للحاجات نفسها، إذ من الممكن أن يشوه طعم التفاح أو أي فاكهة أخرى بمذاق البصل مثلا.


المصدر: جريدة الشرق الاوسط


تابعنا على الفيسبوك:



تابعنا على تويتر: