تمغزة التونسية.. الفاتنة المكبلة بالنسيان






تمغزة التونسية، قصة منطقة خلابة يسكن أوصالها الجمال وتستوطنها الفتنة، لكن منحة حرها وبهائها الأخاذ لم يشفع لها أمام سطوة محنة التجاهل والإهمال اللذين يعملان على نسج وشاح حولها يحول بينها وبين عيون المقدسة للجمال.

تمغزة ومناطق كثيرة أخرى من الجنوب التونسي دواء للروح والجسد بحسنها وعطاياها، وهذا ليس ضربا من التقول وإنما حقيقة تسكن تلك لربوع المنسية.

وبعيدا عن الواقع التونسي اليوم الذي ضرب إلى حد كبير السمعة السياحية للبلاد، والتي يروج البعض إلى أنها في طريقها للتعافي، فإن تمغزة وغيرها من المناطق الجبلية الأخاذة في الجنوب التونسي لم تك يوما منصفة من حيث الموازنة بين ماهي عليه من سحر وعدد الوافدين والمتعرفين عليها سواء في إطار السياحة الداخلية أو الخارجية، لكن ظل من تسنى له التعرف على هذه المناطق أن يدرك مقدار تميزها.

ورغم صعوبة الوضع، كان ومازال لتمغزة زوارها الأوفياء الذين يؤمنون أنها حصرية الحسن، فعندما يقبل فصل الخريف، تبدأ وتيرة السياحة في ارتفاع بمناطق الجنوب الصحراوي التونسي، بحثا عن منتوج سياحي منافس للسياحة الشاطئية، وعندما يسحب الصيف رداءه الحار تتجه العيون والقلوب لتلك المناطق النائية المفعمة بالحياة. 

وجهة ساحرة

قريبا من مدينة توزر في اتجاه الغرب، أي على بعد بضعة أميال من الحدود مع الجزائر، تعمم بلدة تمغزة الجبلية بواحات جميلة وبأودية تنساب منها المياه رقراقة مصرة على الحياة وشد مسامع وأنظار الناس اليها.

ورغم أن تمغزة هي في الحقيقة بلدة صغيرة تنبع من جنبات مرتفعاتها عيون متدفقة من المياه العذبة، فتطلق شلالات مياه تسحر الناظرين، إلا أن التجول فيها رحلة ممتعة للغاية لا تخلو من الإفادة.

وتطل تمغزة من على قمة الجبل متربعة على عرش كامل المنطقة، ورغم أن خرير مياه الشلالات هو الصوت الطاغي في المكان، لكن صوت التاريخ يبدو حاضرا فيها بقوة، فمن شرفة فندق عصري هناك يمكن التفرس في المكان، وتقليب صفحات التاريخ، ورؤية آثار رومانية هنا وهناك تروي ما كان في ذلك الزمن الغابر، فتزيد المكان أصالة وعراقة ونفاسة.

ويشار إلى أن عديد علماء الآثار والمؤرّخين والجيولوجيين بداية من سنة 1930 اكتشفوا آثارا من آوانٍ وأدوات وأسلحة حجريّة وآلات صنعت من العظام، دلت على وجود الإنسان بمنطقة الجنوب الغربي التونسي إلى ما يزيد عن 150 ألف سنة مضت في المثلّث الذي يمسح مناطق قابس وقفصة وتوزر، حيث تحتفظ تمغزة على سبيل المثال بفتنة تلك العصور المنصرمة.

ومما يزيد تمغزة سحرا، هو تتوجها بتاج من "الغرانيت" الذي يحفها، حيث تبدو محمية بشبكة جبلية من الغرانيت، ينساب واد صغير به عدة شلالات جميلة.

ورغم هذا الحسن، وتأكيد البعض قدرة مياهها الجبلية على علاج أمراض جلدية عديدة وغيرها، فقد بقيت هذه المدينة القديمة شبه مهجورة إلى أن سرى بها دبيب الروح في بعض أرجائها منذ سنوات من خلال تصوير أفلام عديدة حول السيد المسيح عليه السلام.

كما باتت تشهد تمغزة في شهر مارس من كل سنة مهرجانا يجمع سكان الواحات الجبلية ويعرف بتقاليدهم وعاداتهم.

واقع تمغزة الساحرة المنسية اليوم يذكر بواقع أشمل لعديد الواحات التونسية المتنوعة، كالواحات الساحلية في منطقة قابس والزارات وغنوش، كما أن هناك الواحات القارية المنتشرة بكل من نفزاوة و الجريد وأشهرها واحات توزر ونفطة والوديان والحامة ودوز، وقبلي وفطناسة، وهنالك الواحات الجبلية بمنطقة تمغزة، ومنها واحات تمغزة وميداس والشبيكة وفم الخنقة وسندس والدغيمة وعين الكرمة والأوشيكة والأعشاش.

ولكل من هذه الواحات خصائصها ومميزاتها التي لابد انتشالها من شراك النسيان وإدراجها في محرك السياحة في تونس الذي لا بد أن يتجاوز وهنه باستثمار جمال ومنافع هذه المناطق المنسية من الخضراء.


تابعنا على الفيسبوك:


  

تابعنا على تويتر: