سيبويه اعظم نحوي في التاريخ !






عبدالله علي المسيّان - سيبقى سيبويه اعظم نحوي في التاريخ .. لم يجيء حتى الان منذ ان مات قبل اكثر من 1200 سنة عالم بارع في النحو مثله .. سيبويه يستحق لقب اعظم نحوي في التاريخ لانه انسان فارسي الاصل وكان يعاني من ثقل في لسانه ومع ذلك يأتِ من احدى قرى فارس ليعلم أمة كاملة وعبر قرون متعددة لغتها الأم  .. وعندما نقول اللغة العربية فنحن لانتكلم عن لغة سهلة بل نتكلم عن لغة شاقة وصعبة وتعد اللغة الاصعب في العالم من جهة عدد القواعد .. لاتوجد لغة في العالم فيها هذا الكم الهائل من القواعد الفاعل والمفعول به والمفعول المطلق والمبتدا والخبر وكان واخواتها وإن واخواتها وقواعد أخرى كثيرة.

عندما نستعرض قائمة عظماء النحوفي التاريخ ستجد على رأس تلك القائمة الفراهيدي والاصمعي ويونس بن حبيب والكسائي لاشك في أنهم علماء كبار وفطاحلة في النحو .. لكنهم ايضاً عرب اصليين .. اي ولدوا والسنتهم عربية وهذا ما سهّل من مهمتهم.
اما سيبويه فمهمته كانت صعبة وهذا مايحسب له.


وعندما رحل سيبويه من بلده الاصلي فارس لكي يتعلم ذهب مباشرة الى البصرة .. ليس بسبب القرب الجغرافي فقط بل لان البصرة اشبه الان بامريكا .. فجامعات امريكا هي الافضل في العالم حسب التصنيفات والبصرة في وقتها كانت هي افضل مكان لمن اراد ان يتعلم .. المساجد مليئة بالدروس العلمية المتخصصة .. حلقات فقه وحديث وتفسير ونحو وادب وعلوم اخرى كثيرة.


ومن الطبيعي ان يجيء اليها سيبويه .. وقد لا يعلم الكثيرون ان سيبويه في البداية كان يدرس الحديث .. ولم يكن له علاقة بالنحو لا من قريب ولا من بعيد.. وفي احد الايام وبينما هو يقرأ أحد الاحاديث النبوية اخطأ في نطق كلمة فبدلاً من ان ينطقها بالفتح نطقها بالضم .. هذا الخطأ البسيط في مقياسنا نحن العظيم في مقياس سيبويه ادى الى قرار تاريخي ومفصلي .. 


ما هو ؟ ..


قرر سيبويه بسبب هذا الغلطة النحوية ان يترك علم الحديث وقرر أيضاً ان يغير تخصصه من الحديث الى النحو .. وأطلق تحدياً بعد غلطته مباشرة هذا التحدي يتضمن عزمه على تعلم النحو بشكل يمنعه من الخطأ في نطق اي كلمة في المستقبل.


عندما تقرأ سيرة سيبويه ستجد انه مليء بعدد كبير من الصفات .. وسيم .. أنيق .. نظيف .. ذكي .. خلوق .. الخ.


لكن اهم صفتين في شخصية سيبويه ولايمكن أن تمر هاتين الصفتين على أي قارىء لسيرته دون ان يلحظهما وهما صفتا الطموح والارادة.


سيبويه لم يكن طموحاً عاديا ولم يكن صاحب ارادة عادية.


لو كان سيبويه كذلك لبقي يدرس الحديث ولم يلتفت إلى الخطا البسيط .. أو ربما يعمل على تصحيح الخطا النحوي الذي وقع فيه دون ان يترك تعلم الحديث فيتعلم مثلا ان المبتدا مرفوع والخبر منصوب ويكتفي بذلك .. ولكن سيبويه كان لديه طموح وارادة تفوق الوصف ارادة وطموح جعلته لايكتفي بتعلم النحو بل بأن يكون النحوي الاعظم في عصره والى الان.


وصدق الشاعر المتنبي عندما قال ..


اذا غامرت في شرفٍ مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم


 وسيبويه كان مصمما ان يبلغ القمة في النحو .. ان يصبح الاول في النحو .. ان يصبح المرجع الاول في النحو .. ان يتقن النحو اتقانا تاما .. وهذا ما حصل واكثر .. بل ان اسمه بقي مخلدا اكثر من الف سنة .. فاذا ذكر اسم سيبويه ذكر النحو واذا ذكر النحو ذكر سيبويه .. بل اكبر من ذلك فقد اصبح اسم سيبويه يضرب لكل من ألّم بالنحو ولو كان الماما بسيطا.


وعندما اراد سيبويه ان يتعلم النحو اراد ان يبدأ من الصفر .. ولانه اراد ان يتعلم النحو على اصوله ذهب ليتعلم النحو على يد عمالقة النحو في عصره .. فلم يذهب لاي مدرس نحو .. لا .. بل ذهب الى العمالقة .. ذهب الى عبقري اللغة الخليل بن احمد الفراهيدي وتعلم منه الشيء الكثير في قواعد النحو .. واستفاد منه استفادة عظمى .. وكان الاستاذ رقم واحد لسيبويه .. 


وهناك استاذة كبار اخرين لسيبويه مثل يونس بن حبيب فقد استفاد منه .. واستفاد ايضاً من علماء اخرين لكن الخليل الفراهيدي كان الابرز وكان سيبويه اكثر التصاقاً به.


ولم يكتفِ سيبويه بهذه الخطوة .. فالتعلم على ايدي العلماء الكبار في النحو خطوة مهمة .. ولكن لابد من خطوات اخرى .. فذهب الى الصحراء ليتعلم اللغة على اصولها وليسمع اللغة بشكل شفوي من افواه فصحاء القبائل العربية.


كما ان سيبويه اتبع منهج الاستقراء في تعلم النحو وبعد ذلك في تأليف كتاب عن النحو .. فجمع كلام العرب من شعر ونثر وخطب وقام بتحليلها وتوصل حينئذٍ إلى القواعد النحوية .. فعرف مثلاً من خلال اتباع منهج الاستقراء ان العرب يرفعون الفاعل وينصبون المفعول به .. وهكذا إلى غيرها من القواعد النحوية.


ثم أتت الخطوة الاهم في تاريخ سيبويه وهي تأليف كتاب عن النحو ..


لاحظوا المسار العلمي لسيبويه .. من انسان يخطىء في النحو إلى انسان يعلّم الملايين النحو .. مات سيبويه من اكثر من الف سنة ومازال الناس يتعلمون منه قواعد اللغة العربية عبر كتابه العظيم "الكتاب".


قمة الطموح وقمة الارادة.


وبعد ان فرغ سيبويه من تعلم النحو وبعد ان اتقنه اتقانا تاما وبعد ان عرف قواعد اللغة قاعدة قاعدة قرر أن يجمع كل ما تعلمه في النحو في كتابه العظيم "الكتاب" ليؤلف اعظم كتاب نحو حتى الان وهو أول كتاب نحو يؤلف بشكل منهجي منظم ولم يستطع اي عالم نحو ان يؤلف مثل كتاب سيبويه حتى الان رغم مرور أكثر من الف سنة على تاليف كتاب الكتاب ولايوجد كتاب نحو واحد ألّف بعد ذلك لم يرجع فيه مؤلفه إلى كتاب سيبويه. 


الّف سيبويه الكتاب وهو اول كتاب نحو يؤلف في التاريخ وجمع فيه سيبويه كل قواعد اللغة العربية عبر الف صفحة ووضع فيه الف وخمسين بيتاً من الشعر كامثلة لشرح القواعد النحوية.


ومن عظمة كتاب سيبويه "الكتاب" ان من قرأه وفهمه لم يكن بحاجة إلى كتاب نحو آخر بل يكفيه كتاب سيببويه بخلاف الكتب الاخرى .. بل ان احد العلماء قال من اراد ان يؤلف كتاباً مثل كتاب سيويه فليستحي.



ويكفي لعظمة هذا الكتاب ان أطلق عليه اسم "قرآن النحو" .. ولم يطلق هذا الاسم على أي كتاب آخر.


وكما أن كتاب سيبويه أحدث ما يشبه ثورة علمية في العصر العباسي لأنه أول كتاب نحو في التاريخ فإنه أيضاً أصاب التأليف النحوي بالشلل .. فكلما من جاء بعده لم يأتِ بشيء جديد ولم يؤلف كتاباً مغايراً وأقصى ما يقوم أفضل عالم ممن جاء بعده أن يشرح كتاب سيبويه ولايتجاوز هذه النقطة.


وبعد كل هذا فإن سيبويه اعظم نحوي في التاريخ واحد أهم من بنوا النحو العربي وزعيم المدرسة البصرية في النحو وصاحب اعظم كتاب نحوي في التاريخ لم يعش أكثر من اربعين سنة ويقال أنه عاش أقل من اربعين سنة حتى انه مات قبل ان يسمّي كتابه ومع ذلك صنع كل هذه العظمة العلمية.


فكيف لو عاش اكثر ؟.


هذه إحدى مساهمات الزوار، ساهم معنا .. اضغط هنا

تابعنا على الفيسبوك:


  

تابعنا على تويتر: