الانتقاد المتكرر يثير الغضب




ديما محبوبة-  النفس بطبيعتها تحب المدح والثناء وتفر من الذم، وتنفر من النقد الذي قد يحدث شرخا في العلاقات بين الناس، بسبب انتقاد لا يكون القصد منه مضايقة الآخرين، بقدر ما يكون للتنبيه أو التوجيه، ولكنه قد يفهم بطريقة الخطأ.
ويرى خبراء علم النفس ومهارات الاتصال، أنه تلافيا لأي خطأ، وقبل أن يقدم الشخص على انتقاد الآخرين، عليه أن يقيس الموضوع على ذاته، ومدى الأثر النفسي عليه، ويعرف إن كان سيجرح مشاعره، أو أنه لن يؤذي أحدا، وهو بمثابة نقد بناء وجاء من أجل المصلحة العامة.
تتحدث هلا صوالحة عن الإحراج الذي وقعت به بسبب انتقادها لتصرفات سلبية لصديقتين عزيزتين عليها، مما أدى إلى خسارتها لهما، كما تقول.
وتؤكد أنها لا تستطيع أن تجامل صديقتيها، ولا تتحدث معهما بصراحة، لكن ما أثار استغرابها، أنهن لم يسمعن لها، حتى احتد النقاش بينهما، لينتهي بمقولة نزلت عليها كالصاعقة "مش عاجبك لا تمشي معنا، واحنا هيك وما راح نتغير".
ويروي الثلاثيني بسام العمري، قصته مع عمه الذي كان بالنسبة له بمثابة الصديق والأب والأخ، وخاصة أن عمرهما متقارب، وهما بالفعل أصدقاء، لكن العم في كثير من الأحيان ينسى نفسه، ويحاول إحراجه أمام عائلته، ناسيا الصداقة والقرابة بينهما، لافتا أنه يفرض قراراته ويمارس انتقادات غير بناءة أمام الجميع قاصدا إحراجه.
ورغم أن العمري يحتمل تصرفات عمه، إلا أن بعض التصرفات التي تصدر تسبب له إحراجا وتجرح مشاعره، لكن من دون جدوى، مبينا أن مثل هذه التصرفات دفعته إلى تهميش عمه في حياته، وإبعاده عن تفاصيلها، ولا يحاول الرد على أقواله وانتقاداته الكثيرة وإن كان أمام الناس.
يشير اختصاصي مهارات الاتصال ماهر سلامة، إلى أن الانتقادات فن، وعلى الأفراد أن يتعلموا كيفية التعامل معه، ويمكن توجيه النصح عن طريق قيام الشخص الموجه إليه الانتقاد الحديث عن محاسن الشخص المقابل، ويذكر خصائصه الإيجابية، ويتحديث عنه بصدق، فالكلمة إذا خرجت من القلب دخلت في القلب.
وبعد ذلك من الممكن أن يتم نقده، ولكن ليس بالطريقة التقليدية المباشرة، وإنما على الشخص أن يصوغ كلامه بطريقة مختلفة، كأن يقول له "ستكون الأفضل إن عملت كذا وكذا".
ومثل هذه الأساليب تشجع الشخص برأي سلامة، على التفكير بما يقوله الطرف الآخر ويلفت الانتباه عليه، ومن يحاول الانتقاد بصورة تقليدية عليه أن يجعل الشخص الموجه إليه النقد، يمارس الدفاع عن ذاته وربما يغضبه الكلام ويتحول إلى خصام.
ويتفق اختصاصي علم النفس د. محمد الحباشنة بأن الانتقاد له فنه، وهو يؤثر سلبا على الأشخاص المنتقدين، وأن فن النقد من الأمور المهمة التي يجب أن يتعلمها الإنسان، وذلك لأن من السهولة أن يخسر أقرب الناس له بمجرد أنه يحاول أن يجعلهم يلتفتون إلى أخطائهم.
ويشير إلى أن هناك ما يسمى بالنقد البناء، وهو الذي يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعايير والقوانين، ولا يعتمد على الذوق الشخصي، وأن تكون بنية النصيحة، التي لا يجب أن تكون أمام الآخرين، فالنصيحة أمام الناس لا تعد نصيحة.
ويقول "أما النقد الهدام، فهو الذي لا يأخذ بقانون أو معيار، بل يعتمد على رأي مخالف، يخالف أغلبية الآراء، ويسهم في تأخير المنتقد بدلا من تقدمه وتطوره".
ويشدد سلامة بأن الانتقاد، سمة أخلاقية قبل أن يكون فنا، فيوجد أشخاص يفضلون الحط من قدر الآخرين، والتجريح بهم لأغراض شخصية، لهذا عليهم أن يعلموا أن الانتقاد يكون انتقادا للعمل فقط، بغض النظر عن الشخص.
ويجب مراعاة مشاعر الآخرين عند توجيه النقد اليهم، وفق سلامة، ولا ضير من المجاملة، ففي النقد لا بد من مجاملة، موضحا "وحتى يتفادى الإنسان النقد المزعج والمدمر للعلاقات ومهما كانت قوية، فعليه اختيار التوقيت المناسب، وعندما يكون هناك ضرورة للنقد فلا داعي لتجنبه، وأن لا يكون أمام الآخرين، وعلى الشخص الناقد أن يكون واضحا ودقيقا ومحددا للأمر الذي ينقد المقابل فيه.
ويؤكد أن الانتقاد الكثير والمتكرر يشعر الشخص بالحرج والارتباك، ويفقده القدرة والرغبة في التغيير والتطوير، ومن المهم أن يكون بأسلوب مهذب ليتمكن الآخرون من تقبل النقد وفهمه.
وعلى الناقد أن يعرف أن الهدف من النقد هو دائما مساعدة الشخص الآخر على التحسن، ولا يجب أن يكون النقد بنية الانتقام أو العقاب.